هَلْ سَيُطِيحُ حِرَاكُ الرِّيِفِ بِـ”إِسْلَامِيِّي الْحُكْمِ”؟


  • مع السابع من أكتوبر كانت البداية..

لا يمكن أن نقرأ ما يجري في مغربِ الحراك والرفض، وما يُدبَّر من أساليب للمرحلة من طرف الدولة المغربية، دون استحضار ما عرفه المغرب السياسي منذ السابع من أكتوبر، وما تلاه من “بلوكاج” حكومي غير مسبوق، انتهى برأس أحد أجرإ السياسيين المغاربة الذين “ركبوا ظهر” حراك شعبي ناجح، واستطاعوا أن يقودوا مرحلة سياسية دقيقة للغاية، بالكثير من الحنكة السياسية، والمناورة البوليميكية، وبغير قليل من الشعبوية الفجة . كما استطاعوا أن ينقلوا المغرب إلى “بر الأمان”، ويخرجوه من عنق الزجاجة في ظرفية إقليمية خاصة جدا، ووسط هبات شعبية تحولت إلى ثورات عفوية في أكثر من بلد عربي انتهت إلى فوضى وصراعات تدَخَّل فيها القريب والبعيد، وتشكلت على إثرها خرائط وسياسات، ولم تنجح أغلبها في تسليم قِيَاد الحكم بالسلاسة الممكنة، حتى انتهت إلى صراعات تُبَارِزُ على حافة الوجود… !

فلقد تم التدبير بحنكة سياسية خاصة فيها الكثير من المناورة الميكيافيلية، ملفَّ التواجد الإسلامي في الحكم، والذي لم تؤثر في انتزاع امتداده الجماهيري، وصلابة تواجده السياسي، كل محاولات الأغيار المناوئين، التي وظفت كل الوسائل الدنيئة في حربها القذرة ، ضد هذا “المارد” الذي بدأ يتحرك من قمقمه، ويُحْرِج المغرب الرسمي أمام عالم بدأ يرتب علاقاته البينية على مشترك الحرب ضد الإسلام السياسي بمختلف تلويناته الفكرية، وقناعاته السياسية؛ المتطرفة منها والمعتدلة.

إذ لم يعد العالم مع ترامب الأمريكي، وبوتين الروسي، ونتانياهو الصهيوني، والأصوات المتطرفة في الغرب الديمقراطي، والشرق الحليف، يقبل بشيء إسمه:”إسلامي”. كما لم يعد يرضى لعلاقاته الديبلوماسية، والسياسية، وشراكاته الاقتصادية مع الأطراف العربية أن تُوَقِّعَ على موائد يحضرها أصحاب “المشروع الإسلامي”، وإن كانت ممارساتهم السياسية ظلت وفِيَّة لقاعدة المشترك الذي لا يفسد لِوُدِّ العلاقات البينية قضية.

  • مُمَانَعَة.. فاستسلام!

لقد أصبح أصحاب “المشروع الإسلامي”، من التيار المعتدل، الذي دخل اللعبة على قاعدة شروط الممارسة التي تجمع الجميع، وتشكل ميثاق العهد الفاصل بين الولاء التام والجنوح المُنْبَتِّ، غير مرغوب فيه، مهما حاول أن يثبت بالواقع والملموس أنه قد تخلص من ماضيه “الرجعي”، وأحسن توبته، وصدق في مراجعاته. إنها الكلمة الأخيرة التي يململها المغرب الرسمي في مواجهة هذا “المارد” الذي لم تؤثر فيه قراراته اللاشعبية، وتلكؤه عن التزاماته في محاربة الفساد والاستبداد، في أن يتصدر انتخابات السابع من أكتوبر، ويترأس حكومة على المقاس، رغم محاولات التدجين والتركيع والمساومة الرخيصة التي دامت أزيد من ستة أشهر ولم تستطع أن تنال من عزيمة السيد بنكيران، حتى تم إعفاؤه وتعويضه بالرجل الثاني الذي يُسِّرت له الأمور كلها، وتمكن في ظرف قياسي من تشكيل حكومة “انتقالية” وتحت الطلب، لم يشكل فيها الحزب الحاكم إلا عضوا ملاحظا، وسط قوة الوزارات التي أسندت إلى غيره من الأحزاب والتكنقراط الذين بدوا بشخوصهم، ذات “الكريزمات” القوية، قوة حاضرة في المتداول الشعبي؛ حصاد في التعليم، وأخنوش في الفلاحة والصيد والبحري، ولفتيت في الداخلية، والتوفيق في الأوقاف،… كأيقونات غطت بقراراتها، المثيرة للجدل، على المحاولات المحتشمة للسيد العثماني وفريقه الوزاري الغائب عن الساحة الشعبية.

  • بداية النهاية..

إنها المحاولات الذكية لصناع الخرائط والسياسات المغربية لمحو هذا “المارد” الذي كافأه المغاربة يوم السابع من أكتوبر، وتحويله إلى الهامش، بأقل الخسائر،  بعد أن كان يثير الجدل، ويحمي وطيس النقاش العمومي يوم كان السيد بنكيران “يَتَبَوْرَدُ” على الجميع تحت قبة البرلمان، وفي الملتقيات، وأثناء الحوارات، وفي الداخل والخارج سواء.

إنها بداية نهاية “الأيقون” الإسلامي المغربي الذي جرب حظه مع التسيير الحكومي لولاية حكومية كاملة شكل فيها الحدث الوطني والدولي، وكاد يقفز إلى التجربة الأردوغانية “يلاعبها” في هذا البلد، لولا التدخلات التي قزمت من حضوره، وحولته إلى أثر على طريق الانمحاء.

نعم، لقد كانت أولى الأخطاء السياسية القاتلة التي سقطت فيها حكومة العثماني، أو أريد لها أن تسقط فيها، هي بلاغ التخوين الذي صدر عن الأغلبية ضد حراك الريف الذي كادت شرارته تنطفئ، قبل أن يتحول إلى السرعة القصوى في المواجهة وفرض الشروط، وما تلا ذلك من استفزازات، واعتقالات، مما لم تعد معه، فيما يبدو،  إمكانية للملمة الوضع رغم أن الحلول المقترحة من الحكومة، التي لم تعد قادرة على إيقاف الهبات الرافضة، لم تستطع أن تقنع شبلا من أشبال الحراك بصدقها بعد أن فقدت الجماهير المنتفضة ثقتها في الحكومة العثمانية، وانضافت المطالب الحقوقية إلى المطالب الاجتماعية والاقتصادية بعد الاعتقالات الأخيرة التي أظهرت القصور التام للحكومة أمام الاستجابة لها، وأصبح الملف بيد الملك الذي يعتبر الشخص الوحيد القادر اليوم على حل الملف، وإنصاف المنتفضين.

  • ختاما.. الضريبة المُرَّة!

لكن الضريبة المرة التي سيؤديها إسلاميو الحكم، وعلى رأسهم السيد العثماني، كثمن لهذا الحل المضمون، في اعتقادنا، هي ذات الضريبة التي أداها السيد بنكيران جراء مقاومته لسيناريوهات تشكيل الحكومة، ووقوفه ضد التحكم. وهي التحييد من ساحة الحكم، بعد أن يُحَمَّل مسؤولية الفشل في تدبير حراك شعبي كاد يجر البلاد إلى المجهول(!!). وهو أحد السيناريوهات الأكثر ورودا في هذه الظرفية الإقليمية والدولية الخاصة.

فالدولة المغربية قادرة على حل ملف الحراك في أي لحظة، ودون مخلفات، ولكن استمراره، سيخدم أصحاب الأجندات المناوئة، الذين ينتظرون رفع السيد العثماني للراية البيضاء، والإعلان عن عجزه في تدبيره، ومن تم سيسهل الإطاحة به، واستبداله، في الوقت المناسب، بمن سيُعان على حل المشكل في الظرف القياسي، تماما كما حُلَّ مشكل “البلوكاج” الحكومي بالسيد العثماني؛ سواءً بسواءٍ!.

إنها ضريبة التمسك بالسلطة التي سيؤديها “إسلاميو الحكم” في المغرب، بعد أن أصبحوا طيْفاً  غير مرغوب فيه، وأصبح بقاؤهم في السلطة مسألة وقت ليس غير، في ظل عالمٍ قرر فك الارتباط مع إسلاميي الحكم، وأصدر حكمه النهائي، غير القابل للطعن، بإعدامهم السياسي!.

دمتم على وطن..!!


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.