الخليج: لا تشتموا المستقبل.
في بعض الأحيان لست أدري لماذا نعيش هذه المفارقة المثيرة للقلق، نجاحات في سياستنا الخارجية وتعثرات في سياستنا الداخلية.
وهكذا لا يمكننا إلا الإشادة بسياستنا الخارجية، التي اتسمت بالجرأة والاستقلالية والبعد عن المحاور الخاصة، ومن ذلك الموقف الأخير للمغرب من ما يحدث في الخليج، والذي أكد من جديد على أن الصداقة لا تعني استعداء الآخرين، وأن المغرب يجنح للسلم في علاقته مع الجميع.
ومن تم أكد المغرب بمناسبة أزمة الخليج الأخيرة، على سلامة وأمن دول الخليج، وفي المقابل لم يقطع علاقاته مع قطر، بل ساندها إنسانيا، فعرف الجميع أن للمغرب استقلالية في قراراته، وله سياسة ممنهجة تسعى دائما نحو تحقيق السلم والأمن الدوليين، وأنه لن يتنازل عن حلفائه حتى في حالة وجود خلافات بين أصدقائه، وهذا الموقف ليس ضد هذا ولا لذاك، بل من اجل الجميع.
وذكرتني هذه التطورات، بمواقف المغرب من بعض دول الشمال، بما فيها قوى دولية ذات نفوذ، حيث كان المغرب صارما عند المساس بالاحترام الواجب له، مما أعطي صورة إيجابية عن بلدنا.
لذلك فسياستنا الخارجية تحتاج إلى حكومة قوية تساندها، وإلى سياسة داخلية ترافق خطواتها وتقدم المغرب كنموذج عربي إسلامي حداثي قادر على مواجهة التحديات الدولية.
إن تبعات الموقف الأخير للمغرب من قضية الخليج، تفرض علينا نوعا من الذكاء الجماعي والوحدة الوطنية لدعم سياستنا الخارجية المبنية على عقيدة الاستقلالية، وعلى الجرأة في القرار، وعلى الوضوح في المواقف على مستوى كل دوائر القرار (علاقتنا مع دول أوربا، مع أمريكا، مع الدول الإفريقية، مع دول الخليج…)
فالمغرب بلد يستطيع أن يتجاوز الماضي، والدليل على ذلك أن بعض الدول التي يدعمها المغرب حاليا، كانت تصدر عنها منزلقات في سياستها الخارجية اتجاه مصالح المغرب، لكن بلدنا ترفع عن كل ذلك وظل وفيا لمبادئه، متجاوزا جراحاته، من أجل الدفاع عن الموقف الصحيح والواضح ورعاية مصلحة الجميع، بعيدا عن سياسة المحاور والتحالفات الظرفية، وخدمة هذا الطرف ضد ذاك، والتي تكرس ضعف النظام العربي في منطقة الخليج، الذي لن يخدم القضايا العربية، ولا التعاون العربي والشعارات التي مللنا من سماعها حول المصير العربي المشترك.
لذلك كثيرا ما أثلج صدري غياب جلالة الملك عن القمم العربية، لأنها لم تعد تكرس سوى الانقسام والمواجهات بين الدول، رغم أنه من المفروض أن تكون اجتماعات رؤساء الدول العربية تتسم بنوع من الحكمة والتجاوز والبحث عن المصلحة المشتركة، غير أنها تذهب في اتجاه خلق المحاور والتحالفات الظرفية.
لذلك نأى جلالة الملك بنفسه عن هذه الاصطفافات، خدمة للهدف العربي ومصالحه، وحتى يبقى المغرب دائما دولة مستقلة تستهدف المصلحة العامة وليست المصالح الظرفية التي تترك ورائها الكثير من الدمار السياسي، والذي ينتهي بمصالحات غريبة ليعود في اليوم الموالي بمواجهات أغرب، مما أتعب الشعوب العربية وأنهك الحكومات، وحولها إلى مجرد محارب منهك، لا يخرج من معركة سياسية حتى يدخل في أخرى، بل إن هذا الصراع فتح المجال أمام قوى إقليمية جديدة صاعدة مثل تركيا وإيران اللذين أصبحتا تخترق المجال العربي بعدما تسربتا من ثقوب النظام الإقليمي العربي الجديد.
إن على أصدقائنا في الخليج أن لا يفسروا الموقف المغربي لفائدة هذا الطرف أو ضد ذاك، بل هو موقف للجميع، ومن أجل بناء المستقبل، ذلك أن قدر المنطقة لا يكمن سوى في التعاون المشترك والحوار السليم والبعد في النظر.
التعليقات مغلقة.