إِشَارَاتُ بَنْكِيرَان بِالْمَجْلِسِ الْوَطَنِيِّ، هَلْ سَتُعِيدُهُ إِلَى الْوَاجِهَةِ؟

ظهر الأستاذ عبد الإله بنكيران خلال مداخلته التي دامت لأكثر من ساعة بالمجلس الوطني الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية المنعقد يوم السبت 15 يوليوز 2017، تائها، مترددا، يحاول ،عبثا، أن يقول شيئا لإخوانه الذين بدا على الكثير منهم عدم الاكثرات، دون أن يستطيع أن يكون صريحا بالقوة المعهودة فيه، في زحمة المستجدات السياسية التي يظهر أنها قد تجاوزت مواقفه السابقة،  بعد أن غادر السياسة من بابها الواسع، وإن كان لا زال يدبرها داخليا في حدودها الحزبية الضيقة.

فقد خلط، في مداخلته، بين التذكير بنشأة الحزب في حضن الحركة، مع التوسل بخطاب الوعظ، إلى تقديم إشارات إلى من يهمهم الأمر داخل الدولة والحزب معا،   دون أن ينسى غَمْزَ معارضيه داخل الحزب، الذين بدأت قاعدتهم تتسع يوما بعد يوم، خصوصا بعد أن هدأت عاصفة الشباب المتحمس الذي أثار زوبعة الاحتجاج، والسخط بعد الإعفاء/الصدمة، وأخذ بعض المُمانعين يقتنعون بحكمة الشيخ “العثماني” حول زوال الأشخاص وبقاء المبادئ والأفكار، ونجح المتكالبون على مواصلة الحلب، في تقوية عضد “الأخ” الرئيس العثماني، والركون إليه، بعد أن فهموا أن الخلاص معه، وأن امتيازات الاستوزار، وتحقيق المآرب الخاصة، واستمرار الوضع الاعتباري لشخوصهم الخاصة، رهين بالسمع والطاعة، والدوران مع قرارات المخزن حيث دارت،… وغير ذلك، ليس أمامهم سوى فقدان المنصب، وذهاب الريح. وهو ما لا يبغيه أحد ممن ذاق عسيلة السلطة، والمال، والجاه. فكان لا بد من اختيار أفضل الطريقيْن، وأسهلهما، وأَأْمَنَهما. فطريق “الزعيم” بنكيران “المغضوب عليه”، لا أمان معها، ولا منصب، ولا جاه، ولا حظوة في دنيا الناس. فلا مجال من سلوكها، والحرص عليها. ولا بد من القطع معها بعد أن بدت غير سالكة، وبدا معها المستقبل في كف عفريت !.

وهي الحقيقة التي استحضرها بنكيران في كلمته، وحاول أن يغلق أمام الإخوان أمنية السلوك السلس نحوها، ويذكرهم بصعوبة الدولة، وان البلاء قادم لا محالة، لأن هذه هي طريق الدعاة، وسبيل المصلحين. فالأمان لا يوجد إلا في الالتزام بالعهد الأول الذي أُنشئت عليه الحركة الإسلامية، وتربى عليه “الإخوان”، ومنه تحققت لهم هذه الأزاهير الزاهية التي يقطفون ورودها تِباعا، والتي ستبقى أزاهير براقة، ما تلبث أن تَيْبَسَ بين الأيدي، وتصير هباء منثورا :” أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” !.

رسالةٌ، حاول السيد بنكيران أن يُذَكِّر بها إخوانه في آخر مجلس وطني قد يحضره بعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للريبة، أن تجديد ولايته على رأس الحزب غير واردة بالمطلق، وبقاءه في الحزب مع هذا الجنوح نحو مواصلة التشبث بالحكم، والخضوع للإملاء، والقبول بالشروط، والاستعداد للانسلاخ عن المبادئ التي ظلت تمثل “الأصل التجاري” لهذا الحزب، من أجل مواصلة الحكم؛ مما يُرَجَّح خِلافه.

ولكن هل سيركن السيد بنكيران، المعروف بقدرته على الإقناع وعدم الاستسلام(1)، إلى زاوية النسيان، كما فعل الزعيم اليوسفي، ويترك السياسة بالمرة؟ أم سيستمر في صنع الحدث، ويقلب الطاولة على معارضيه من الحزب، وخصومه من الدولة والأحزاب، سواء؟

إن الذي يقرأ بين سطور مداخلته إياها، سيفهم أن السيد بنكيران عازم على مواصلة شغب الحضور. وأن الاستسلام غير وارد في أجندته بالمرة. وأنه مستعد أن يثبت لمناوئيه وخصومه ومخالفين أنه كان على حق، وأن إعفاءه خطأ، وأن محاولة إعدامه السياسي خطيئة.

فالتذكير بنشأة الحركة، ودوره الأساس والفاصل في هذه النشأة، وبلائه الحسن في إيصال أبناء الحركة الإسلامية إلى الحكم، بعد أن كانوا دعاة مغمورين، وشبابا مطلوبين، وأصبحوا قادة وحكاما، لا يمكن أن يُفهم منه إلا أنه قاصد إلى مواصلة الحضور بالقوة ذاتها، لكن هذه المرة كزعيم تشد إليه الرحال، ويستشار في أمور الناس، وانتظاراتهم، ويُحتَكم إليه في القرارات الاستراتيجية، والقضايا المفصلية.

إنه بهذه الإشارات يحاول أن يذكر “الإخوان” بأن الدعوة هي الأصل، وأن ما هم عليه اليوم فرع منه، فمتى نقض الأصل، عُدِم الفرع. وأن أولى علامات سقوط “الإخوان” وذهاب ريحهم، القطع مع هذا الأصل. وكأنه يدعو الجميع إلى مراجعات ومحاسبات حتى لا تضيع الأهداف الحقيقية التي تأسس عليها العهد السابق، حينما جعل من المشاركة السياسية وسيلة للدعوة، وخدمة للناس في مجال أوسع، لا وسيلة للاغتناء، أو التَّنَفُّذ، أو لامتلاك الرقاب.

فقد يترك السيد بنكيران السياسة بمفهومها الحزبي الضيق، و حتى بمفهومها التقني الحُكمي المشروط والمحصور، ولكن لا نعتقد أنه سيترك السياسية بمفهومها الواسع بما هي المشاركة في حل قضايا الناس والدولة معا، بعيدا عن الخطوط المفرملة، والاشتراطات المكبلة التي تتأسس على التعاقدات المبرمة على عتبة الولوج إلى الحكم، والتي ظلت، طيلة خمس سنوات، تُكَبِّله وتتعب قتاعاته.

فهل سينجح السيد بنكيران في العودة إلى الواجهة من نافذة الحركة والحزب بعد أن خرج منها من باب الدولة؟ أم سيُمانعه رفض “الإخوان” فيقررَ فَّكَّ الارتباط “ولا بطل”؟

هذا ما ستكشف عنه ترتيبات البيت الداخلي لـ”لإخوان” في غضون ما يستقبل من الأيام …

دمتم على وطن.. !!

 

أكادير في 27 يوليوز 2017  

————————

(1)  راجع مقالنا : (مسار “زعيم” يأبى الاستسلام! ) المنشور بهذا الموقع.


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.