“اَلْمُدِيرُ التَّرْبَوِيُّ”، اَلْحَلَقَةُ الْأَضْعَفُ دَاخِلَ الْمَنْظُومَةِ التَّرْبَوِيَّةِ

ليس واقع الحال ما سيعلن للعالم أن دور السيد مدير المؤسسة التعليمية في حسن تدبير العملية التربوية/التعليمية داخل المؤسسة التربوية، فاصلٌ ومِفصليٌّ. وأن الحاجة إليه من طرف صناع القرار التربوي المركزي، كما الجهوي والإقليمي في التواصل، و تسليس العمل التربوي، والحفاظ على الأمن التربوي، والزمن التعليمي والتَّعلًّمي داخل المؤسسة التعليمية، ضرورية وماسة. وأن دوره في تنزيل الإصلاح داخل معقل التجريب التكويني/البيداغوجي التدريسي (الفصل الدراسي)، والمدرسي(المؤسسة التعليمية)، مما لا يُستغنى عنه؛ بل صناع القرار التربوي هم أنفسهم من يعترفون لهذا الأيقون بكل هذه الأدوار المفصلية داخل المنظومة التربوية. ويزداد “خطاب الاعتراف” كلما عَنَّ في الأفق إصلاح جديد، وحضرت المؤسسة التربوية في قلب الأجرأة والتفعيل.

ولكن، رغم هذا “الخطاب الاعترافي” بالدور الفاعل والخطير الذي يضطلع به السيد المدير داخل المنظومة، وبالدور المفصلي الذي تتأسس عليه مشاركته في عمليات الأجرأة، والتفعيل لمقتضيات الإصلاح، بالإضافة إلى الأدوار الطلائعية والفاصلة التي يضطلع بها في الحفاظ على السير العادي للعملية التعليمية التعلمية، والمواكبة الحثيثة لكل جديد، والتنزيل اليومي لقرارات المسؤولين على القطاع من مختلف الدرجات والمناصب؛ من المركزي إلى الإقليمي، مع الانفتاح على شركاء المؤسسة، وتفعيل قرارات وتوصيات مختلف مجالس المؤسسة، وجمعياتها، دون أن ننسى دوره اللازم في إنجاح محطة الدخول المدرسي على رأس كل موسم دراسي جديد (أهم وأخطر محطة مفصلية يتوقف عليها نجاح الموسم الدراسي) وما يتطلبه ذلك من مجهودات تدبيرية، وتنظيمية، ولوجستية غير عادية، وعلم من يهمهم الأمر بتوقف هذا النجاح على دور “الكاريزما الإدارية”، والوضع الاعتباري الخاص، في تشجيع مدير المؤسسة على الانخراط المأمون في حسن التدبير، والشعور الإيجابي بالمسؤولية فيه، مع القدرة على اكتساب التجاوب السلس مع المحيط؛ لم “تنتبه” الوزارة الوصية، إلى أن التسوية النظامية لأوضاع نساء ورجال الإدارة التربوية، والمتمثلة في تمكين السيد رئيس المؤسسة التربوية من “إطار”(المطلب القديم/ الجديد للهيئة) تتحدد، من خلاله، حقوقه وواجباته كمُدَبِّر، وتُحَوَّط فيه مهامه ومسؤولياته، بحيث يعرف من أين تبدأ صلاحياته، كما مسؤولياته، وأين تنتهي؛ شرط واجب لإنجاح مساره التدبيري، وانخراطه المسؤول في فعاليات الإصلاح داخل المؤسسة التعليمية؛ مربضه الأساس.

كما أنه رغم هذا الدور المفصلي والمؤسس للسيد رئيس المؤسسة التعليمية، والذي لا يحتاج إلى مهارة خاصة للكشف عنه، فإن الرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لم تشر إليه إلا عرضا، وذلك في سياق الحديث عن أدوار بقية المتدخلين في المؤسسة التعليمية. في حين ظلت الوزارة الوصية، طيلة الفترة التي تلت تنزيل مضامين الإصلاح؛ تدابيرَ أوليةً، ثم مشاريعَ مندمجةً، تغرق السيد رئيس المؤسسة بعشرات المراسلات والمذكرات المؤثَّثة بعبارات الواجب، والمسؤولية، والحكامة الجيدة، والمحاسبة الحثيثة، ووو…، وبالمهام الإضافية التي لا تنتهي، وتطالبه بالاضطلاع بدوره الكامل في التنفيذ، وإنجاح التفعيل، والعمل على الإشراف الفعلي على مختلف خطوات التفعيل، مع الانفتاح على مختلف المتدخلين، وشركاء المؤسسة للانخراط في إنجاح ورش الإصلاح، ووو…كل هذه التوجيهات والأوامر تصدر عن الوزارة الوصية، ومصالحها الخارجية، إلى السادة رؤساء المؤسسات التعليمية، بصفتهم مديري المؤسسات التعليمية، التي يشرفون على تسييرها، وليس كأساتذة مكلفين بمهام الإدارة التربوية كما هو واقع توصيفهم القانوني!!…

لكنها- للأسف- بدل أن تحسم للسيد المدير في هذه الصفة النظامية، عبر ترسيمها، وتحديد ملامحها القانونية؛ انشغلت برسم استراتيجيات الإصلاح، وتحديد رؤاه، وتنزيل مقتضياته، مع مطالبة السيد المدير (بوابة الإصلاح إلى المؤسسة التعليمية)، الفاقد لكل الضمانات القانونية الحامية له من المُتابعات والتَّبِعات، والعاجز عن رفض أو مناقشة الأوامر والتوجيهات مهما شذت عمَّا تواضع عليه من مهام ومسؤوليات؛ أن يكون في الموعد، وأن يلبي نداء الواجب، وأن يتحمل المسؤولية القانونية في تصريف القرارات، في خضم سيل من المخاطر، وشبكة من المهام والمهام الإضافية. كل هذا في غياب الانكباب الجاد والفاعل،على تعبيد الطريق نحو التفعيل السلس لمضامين الإصلاح، بما فيه إصلاح الإدارة التربوية والارتقاء بها، ومعالجة العوائق المفرملة لمسار هذا الإصلاح، وعلى رأسها عدم وضوح الرؤية حول دور المدير وحدود صلاحياته.

فما لم تلتفت الوزارة الوصية إلى ملحاحية مطلب ترسيم إطار خاص بالهيئة، تتوضح فيه المهام والصلاحيات والمسؤوليات بدقة، ويتشرف من خلاله السيد المدير بالممارسة الكريمة لمهامه الإدارية، سيبقى السيد المدير (الأستاذ المكلف بمهام الإدارة التربوية) مجرد موظف ممارس تحت الطلب، تعلق عليه أخطاء الممارسة غير المُؤَمَّنة، ويهدد في استقراره المهني والوظيفي عند أدنى جنوح أو خطإ قد يُؤَوَّل بأنه جسيم وخارج عن الصلاحيات والمهام غير المحددة أصلا !!، أو تقصير في استنفاذ مهام أو مسؤوليات مستحدثة ضمن طابور المسؤوليات التي لا تنتهي، أو “عصيان” لأمر مُشْتْبَهٍ صادر عن مسؤول، وعجز السيد المدير أن يجد له رابطا معقولا بما فَهِم أنها مهام ومسؤوليات يضطلع بها (كتحميل المدير وحده مسؤولية تأهيل المؤسسة تحت طائلة المحاسبة، دون الفريق المشارك معه في جمعية دعم مدرسة النجاح!!).

فبدل أن يكون هذا المدير، بهذه المهام الوازنة، والمسؤوليات الاستراتيجية داخل المنظومة، مُكَرَّما بإطار إداري، تحدد فيه المهام والمسؤوليات بدقة، ويمنحه وضعا اعتباريا يليق بموقعه المحوري داخل المنظومة، ويُحافظ له على “كريزما” تُمَكِّنه من ممارسة مهامه في جوٍّ من التقدير والاحترام، مع الشعور بالمسؤولية، والاستعداد للخضوع للمحاسبة؛ تحوَّلَ إلى مجرد خادم يؤدي المهام تحت الطلب، بصفر اعتبار إداري، وصفر حماية قانونية!.

فإلى متى سيظل مدير المؤسسة التعليمية الحلقة الأضعف داخل المنظومة؟. وإلى متى سيظل ملفه المطلبي عالقا دون جواب؟..

أسئلة نوجهها إلى من يهمهم الأمر..

دمتم على وطن.. !!


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.