اَلحَرَاكُ الْمَوؤُودُ، وَوَعْدُ الْوَزِيرِ المَفْقُودُ !

    • على سبيل البدء..

لم يعرف موسم دراسي، منذ سنوات، ما عرفه الموسم الدراسي الماضي 2018/2019 من حراك وسط مختلف فئات الشغيلة التعليمية (أساتذة بمختلف فئاتهم، إدارة تربوية، هيئة تفتيش،…). وقد تأسس هذا الحراك على قاعدة احتجاجات، وإضرابات غير مسبوقة، عطلت السير العادي للعمل التدريسي والتربوي والإداري في أكثر من محطة. وقد امتد عصيان فئة “المتعاقدين” (أطر الأكاديمية) لعدة أسابيع، كما عرفت أغلب المحطات الاحتجاجية التي دعت إليها الهيئات الممثلة للشغيلة التعليمية نجاحا كبيرا بفعل الاستجابة المنقطعة النظير لهذه المحطات؛ رغم الاقتطاعات، والاستفسارات، والتنبيهات، التي طالت العديد من نساء ورجال التعليم، والتي لم تزد حمى الحراك إلا اشتعالا، وتوقدا، ولم تزد الهامات المنخرطة في هذه الهبات الاستثنائية إلا تمردا، وثباتا.

  • عام على حراك الإدارة التربوية الموؤود..

من جهتها، استهلت هيئة الإدارة التربوية الموسم الدراسي المنصرم بحراك نوعي وغير مسبوق، تمثل في الإعلان العام عن مقاطعة حمل كل أنواع البريد الذي كانت تضطلع بمهمة نقله، من المؤسسات التعليمية إلى المديريات الإقليمية، ومن هذه إلى تلك، كما قاطعت المشاركة في كل الأنشطة واللقاءات الرسمية التي تدعو إليها المصالح الخارجية للوزارة، واستقبال إداريي المسلك، والتكليف بأكثر من مؤسسة،… . وقد استمر هذا الاحتجاج لأزيد من ثلاثة أشهر، عرف نجاحا متميزا، رغم بعض التلكآت التي جرت العادة أن يقع نظيرها في معارك من هذا الحجم. قبل أن تنضح على السطح “قراءات”، تنحو نحو التهدئة، وإعادة النظر في تكتيك المواجهة، خصوصا وأن التقييم الأولي لمسار الحراك، الذي امتد لأزيد من ثلاثة أشهر، لم يخلص إلى نتائج ذات  أهمية، رغم الجهد المعتبر الذي استنفذه الحراك في مرحلتيْه الأولى و الثانية. فكان الرأي الأغلبي لدى الأجهزة المسؤولة، وإن كان على غير هوى ورغبة القواعد، قد خلص إلى ضرورة تغيير تكتيك المواجهة، واعتماد آليات جديدة للضغط على الوزارة، من أجل فتح حوار مؤسِّس، وذي جدوى، بعد أن تأكد للجميع أن الحراك، بشكله المعتمد، لم يؤثر في صناعة القرار المركزي، ولم يململ في هذا القرار أنملة، بل تأكد للجميع أن السير العادي للعمل التدريسي والتربوي والإداري قائم على أحسن وجه، وأفضله، وأن ما سيثير الوزارة، ويستفز انتباهها إزاء هذه الهبة غير موجود إطلاقا؛ زعموا !!. وأكثر من ذلك، بدأ البعض يقتنع، ويحاول أن يُقنع،  بأن الأسلوب الذي تعتمده الوزارة في التعامل مع العصيان والتمرد، لا يختلف عن أسلوب الحكومة/الدولة في معالجة الاحتجاجات الاجتماعية، سواء تلك التي عرفها الريف، أو جرادة، أو زاكورة، …أوغيرها. أسلوب يعتمد على قاعدة:”دعه يصرخ؛ لا حوار، ولا جواب، تحت الضغط، وتنزيل القانون هو الحكم والفيصل”. وقد ظهر للبعض أن الاستمرار في شد الحبل لن يفضي إلى نتيجة، والتدبير العقلاني يلزم تغيير استراتيجية المواجهة، باعتماد أساليب جديدة في المواجهة.

لكن، مع توالى الأيام، وتوارد الأخبار من كواليس اتخاذ قرار التعليق، تبين أن هذا القرار الذي تم اتخاذه (تعليق مقاطعة البريد والاجتماعات، والمشاركة في الأنشطة،…)، لم يكن سوى تحايلا ماكرا من بعض من يمثل الشغيلة الإدارية لإيقاف هذا الزخم الذي تبين، من بعد، أنه كان مؤثرا. وأنه لو استمر لشهر واحد إضافي، كانت الوزارة ستتدخل لفتح الحوار وحلحلة الوضع، والاستجابة لملف الشغيلة الإدارية. والذي لم يكن ملفا بالتعجيز الذي يجعل الوزارة، ومعها الحكومة، تدير الظهر لهذه الهيئة التي يقوم عليها القطاع من ألفه إلى يائه، لولا القاعدة المؤسسة لفلسفة المواجهة التي أشرنا إليها أعلاه، والتي كانت إحدى الفلتات التي نبس بها السيد بنكيران في إحدى خرجاته البرلمانية، والتي يمكن أن تعتبر أحد “أسرار” أسلوب تدبير الدولة لاحتجاجات المواطنين.

أجل، لقد كادت هيئة الإدارة التربوية بالأسلاك الثلاث أن تحقق الأهم، وتُستقبل بالتقدير، والاعتبار، ولا أقول بالترحيب، ويُفتح معها الحوار الذي كان سيململ الكثير من الملفات العالقة مع هذه الهيئة، وعلى رأسها الإطار، أو بالأحرى صيغة تنزيل الإطار، الذي أطر المرسوم  2.18.294  أهم ملامحه، وشروط تنزيله. والذي لقي رفض الهيئة، وتمسكها، في المقابل، بالإطار بدون قيد أو شرط .

لكن للأسف، تداخلت وجهات النظر المتباينة حد التناقض، في ملف، كنا نعتبره مشتركا غير قابل للمساومة، أو المزايدة، أو أنصاف الحلول. لتنتصر في الأخير وجهة النظر التي ارتأت تعليق البرنامج النضالي كلية، ودعوة الجميع لرفع الراية البيضاء، واستئناف العمل، دون أن تتلوث يد الوزارة بمصافحة الأشاوس والصناديد المحتملين على طاولة حوار النِّدِّيَّة، وفي عز الحراك الذي بلغ تمامه. لكن “الأشاوس” المحتملين، خذلوا الجميع، ووضعوا  ثلاثة أشهر من النضال المستمر، والراقي، والمسؤول، على مقصلة تنازل، أسقط في الأيدي، وجعل القاعدة، لأول مرة، تعض على يديْها أنْ منحت يوما صوتها، ومصيرها، لمن لا يستحقهما.

  • وعد الوزير الذي أسال اللعاب.. !

نعم، لقد قرر المديرون الاستجابة، على مضض، لنداء الانسحاب من ساحة النزال، والعودة إلى استئناف سحب البريد، وحضور الاجتماعات، وسوى ذلك مما امتنعوا عنه خلال ثلاث أشهر من النضال. وظل الانتظار يلف ملف الهيئة، حتى ابتدر السيد الوزير، في سابقة، استقبال ممثلين عن الهيئة بمقر الوزارة، في إشارة مبطنة، إلى أن هذه الوزارة لا تخضع لِلَيِّ الدراع، وأنها متى استُفِزَّت مانعت. وأنها لا تحاور إلا حينما تريد، وليس حينما نريد نحن. وأن النضال، والصراخ، والتهديد، لا ولن يثنيها عن قراراتها التي تتخذ، كما لن يرهب وضعها الاعتباري لتستسلم لأي كان، حتى تستجيب لطلباته، أو تهديداته.

إنها تحاور حينما تريد، وتمتنع حينما تريد. والوزير الذي استقبل ممثلين عن الهيئة ظل طيلة مدة مداخلته، وخلال إجابته على أسئلة المتدخلين، هادئا، منشرحا، مرحبا، شاكرا. تحول من رجل إدارة، يضع النقط على الحروف، ويحدد للقانون حدوده التي لا تقبل أنصاف الحلول، إلى سياسي يخاطب في الحاضرين حاجتهم، وانتظاراتهم، ويستجيب بلسان السياسي الذي لا يرد سائلا، ولا ينطق “لاءً”.

ففي الوقت الذي كان فيه الوزير ينظر إلى الممثلين أمامه ككتلة ناخبة، ستعمل على تسويق صورة له بين الأنام، طيبة، ورائقة، ظل الممثلون ينظرون إليه كإداري، صاحب القرار الأول في هذه الوزارة، والقادر الوحيد أن يستجيب لانتظاراتهم، وينهي معاناتهم.

فبعد إثراء وترحيب، وشكر على الأعمال الجليلة والمواطِنة التي يقوم بها رجال ونساء الإدارة، يفاجئ سعادة الوزير/السياسي الحضور بما أثار دهشة الجميع، وفرحهم، فطَفِقوا يصفقون في بلاهة غير مفهومة، حينما أكد لهم “بأن هذا الملف سيحل في القريب العاجل بطريقة إيجابية سترضي وستنال إعجاب الجميع”..  هكذا!! ولا شك أن ما يرضينا هو الإطار بدون قيد ولا شرط، وهو كذلك التعديل الجذري للمرسوم المشؤوم، خصوصا في مواده المنظمة للترقي في الإطار، وشروطه.

وإنما اعتبرنا تجاوبهم بلاهة (سياسية)، لعلمنا أن السيد الوزير وحده لن يستطيع أن يستجيب لما يريده المديرون. فكل المداخلات التي تلت مداخلة السيد الوزير، أكدت باختصار على أهم نقاط الملف المطلبي، لكنها لم تغفل أهم مطلب خرجت من أجله هيئة الإدارة التربوية، واعتبرته أُسَّ مطالبها، وعمودها، وهو التمكين من إطار متصرف تربوي بدون قيد ولا شرط، مع رفضها التام لما جاء به المرسوم المشؤوم. فحسبنا من هذا المطلب الجوهري أن نقول بأن السيد الوزير لن يستطيع، حتى ولو صدق في وعده، أن يستجيب لمطلب من هذا الحجم، لأنه، بكل بساطة،  مطلب يتجاوز صلاحيات الوزير. فالمرسوم المشؤوم، مرسوم حكومي، رُسِّم في الجريدة الرسمية، ولا يمكن أن يلغى، أو يعدل إلا بقرار حكومي، وهذا لا يخول للسيد الوزير إلا تقديم مقترح حوله، قد يقبل وقد يرفض. ولا قدرة له إطلاقا على تعديل مرسوم حكومي تمت المصادقة عليه، واتفق حوله في المجلس الحكومي، ورفع عنه القلم، وجفت صحيفته.

فوعد السيد الوزير لممثلي الهيئة بالاستجابة لمطالبهم بما “يرضي الجميع”، كلام على عواهنه يطلق، ولا مصداقية له إدارية، ولا حتى سياسية، حتى تلتئم شروط التعديل أو الإلغاء؛ لكن هيهات ، هيهات !!.

ثم إذا أضفنا إلى هذا الأمر، كون هذا اللقاء الأشبه بلقاء مجاملات منه بشيء آخر، لم يفتح فيه محضر، ولم يروج له إعلاميا في الإعلام الرسمي، زد على ذلك إمكانية خروج الوزير من الحكومة، أو تغييره للقطاع، على غرار السيد الوفا الذي غادر الوزارة في عز الحوار مع الهيئة، فغادر معه الحوار كما الوعود، لم يبق أمامنا شيء ذو بال قد نرتاح إليه، أو نثق فيه. وسنكون بلهاء بالفعل والقوة إذا اعتقدنا في تحقق وعد من وزير بصفر ضمانات …

فلم التصفيق، إذن، لوعد سياسي لا ضمان البتة بتحققه؟ !!.

فهل هو فقط انبهار بتحقق لقاء رسمي مع الوزير طال انتظاره، فلم تُصَدِّق الأغلبية الحاضرة وجودها بين يدي الوزير حتى انخرطت في التصفيق والابتهاج، ومشاركتنا الخبر السعيد؟. أم هو إيمان صادق بأن ما قاله السيد الوزير صحيح مليح، وأن تحققه مسألة وقت ليس إلا، كما صرح أحد الظرفاء؟؟ !!.

أملنا أن يكون ما ذكره الإخوة، واعتقدوه هو “الصح” الذي لا مراء فيه، وأن السيد الوزير لم يطلق كلاما سياسيا على عواهنه كما جنحنا إليه في هذه القراءة، إنما هو قرار رسمي ألزم الوزير نفسه ووزارته به، وأنه سيكون عند وعده، خلاف ما عهدنا من وعود وإخلافها، حتى فقدنا الثقة، وسُقط في أيدينا..

هذا ما نرجوه.. !

دمتم على وطن.. !


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.