إِسَاءَةُ دَوْلَةٍ!

سيكون هذا المقال رابع مقال أكتبه حول الإساءات التي طالت جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم. لكن الذي ميز هذه الإساءة الجديدة، والتي استدعت منا كتابة هذا المسطور، هو أنها ليست كسابقاتها إساءة تافهة تصدر من تافهين وتافهات، غرضهم “البوز”، ورغبتهم الاستفزاز، وغايتهم قياس حرارة الرد والرفض لدى المسلمين، ولكنها ، هذه المرة، تحولت إلى “إساءة دولة”، تحمل من مقومات “الرسمية”، وملامح الدولة ما يجعلها تؤشر على أن هناك استهدافا بحجم إعلان الحرب على الأمة المسلمة من دولة ورئيس غرضهما العبث بعقيدة مليار مسلم، و بأحد أهم مقدساتهم.
ولا يمكن أن يكون هذا التجرؤ بريئا إلى الحد الذي يدع لنا مجالا للتفهم، وتأويل ما بين سطوره. بل جاء، هذه المرة، واضحا، صريحا، غير قابل للتأويل. فكان لردود الفعل التي أعقبته، الرسمية منها والشعبية، ما يبررها. وكان لاعتبارها هبات عاطفية، أو ردود أفعال بائرة، مجانَبَة للصواب. لأن الأمر، الآن، على خلاف الاستفزازات الشاردة السابقة، التي سجلنا حولها ملاحظات، واعتراضات، حينما اعتبرناها تفاهات لا تستحق أن يُلتفت إليها، خصوصا وأنها قد صدرت عن جرائد، وأشخاص مغمورين وتافهين، ولم يكن لها اعتبار في وزن الوعي الجمعي الغربي، الشعبي والرسمي سواء. لكنها اليوم، أمر آخر. إذ لم تبق تفاهات من تافهين. ولكنها استهدافات بوزن الدولة، حينما ينطق بها السيد الرئيس ، ويتبناها المجتمع، ويسهر الإعلام الرسمي بمختلف مشاربه على الترويج لها؛ فلم يبق للمسلم غير أن يصدح بصوته رافضا، غاضبا، منددا، مقاطعا، .. وهذا أضعف الإيمان !!.
أجل، هؤلاء لم يرسموا الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم بكل بساطة لم يروه. كما أنْ لا أحدا من العالمين، ممن عاصره، قد نحث له مجسما، أو رسم له صورة. فكل ما صور من صور كاريكاتورية هي لشخوص وهميين وغير موجودين إلا في عقول من صوروهم. أما الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ، فلا أحد منا رآه . وكل ما يملكه المسلمون من ملامح شكله ووجهه الشريف ما ورد حول شمائله صلى الله عليه وسلم بكتب السيرة. ولو اعتمدها من يسخرون منه اليوم، ونقلوها على الورق صورة له، لذُهِلوا من جمال الوجه، ووسامة الملمح، ودقة الشكل وروعته. ولكن هدفهم لم يكن هذا النبي الأكرم، فهم يعلمون أنهم في الثرى وهو في الثريا. ولو كان حيا بين ظهرانينا، وتحركت هذه الأقلام المسمومة، الحاقدة، لقال (ص): ” دعوهم، فما يرسمونه لست أنا” .كما كان يقول صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم حينما كانوا يغضبون من مناداة المشركين له بمُذَمَّم :” دعوهم، إنهم ينادون مذمما وأنا محمد” !..
نعم، لم يكن هدفهم الإساءة لرسول الإسلام، ولكنهم يعلمون أن هذا الرسول هو أغلى عند أتباعه من أنفسهم، وأولادهم، وأموالهم. ولا شيء سيثير ثائرتهم من هكذا إساءة. لذلك وجهوا سهامهم إلى الهدف الذي سيحقق لهم الهدف. لكن هيهات هيهات !. لقد انقلب السحر على الساحر، فكانت ردود الفعل التي لم تقف هذه المرة عند الهبات العاطفية غير المحسوبة للعديد من المحسوبين على الإسلام، ولكنها تحولت اليوم إلى استنكارٍ مُؤَسَّسِيٍّ لم يقتصر على المسلمين وحدهم، أو المتطرفين منهم ممن قصدوا إلى استفزازهم فقط، بل شارك فيه المسلمون وغير المسلمين، وشاركت فيه الشعوب والحكومات، ولم يبق عاقل ذو بصيرة إلا وعبَّر للعالم عن استنكاره لهذه النذالة المسماة “حرية تعبير”، والحرية منها براء، وكيف تُوَظَّف للسخرية السمجة، والاعتداء الساقط على معتقدات الناس باسم “لا شيء” في اعتبار العالمين؛ اللهم الحقد، والبغضاء.
واليوم، وبعد أن سجل العالم، مسلميه وغير مسلميه، نصرتهم لنبي الإسلام. وبعد أن أخذت المقاطعة مأخذها من منتوجات الفرنسيس، وأعلنت أكبر الشركات الفرنسية المشكلة للعمود الفقري للاقتصاد الفرنسي تأثرها بهذه المقاطعة، ووقوع الرئيس بين مخالب ديناصورات المال والأعمال يوشكون أن يفتكوا بوجوده الاعتباري؛ استنجد السيد الرئيس بقناة الجزيرة ليقدم ما سماه بعض الظرفاء اعتذارا للمسلمين، وما هو كذلك. إنما هي محاولة جديدة لتحوير الكلام عن مقصوده، واتهام جديد للمسلمين بأنهم لم يفهموا كلامه السابق، وأنه لم يقصد كيت وكيت مما قال ووو… وهكذا انبرى الكثير ممن يفكرون بعواطفهم، لا بعقولهم التي في رؤوسهم، وأخذوا ينشرون بين الأنام هذا الاعتذار المزعوم، والنصر المحسوم. وهم لا يدرون أن المعركة أكبر من كلام رئيس أو تصريح مسؤول، أو رسم تافه صادر عن صحافي أخرق، إنما المعركة أكبر من ذلك، وستستمر إلى الأبد؛ بين الحق والباطل، وبين الصدق والتفاهة، وبين العقل الراجح والعاطفة الهائجة..إنها معركة أزلية تخاض على هذه البسيطة منذ جدنا آدم عليه السلام، إلى أن تقوم القيامة.. معركة ستستمر ما وجد الحب بجانب الكره، وما وجد الاستبداد بجانب العدالة، وما وجد الساعون إلى الخير والنجاح إلى جانب المُتنكِّبين عن طريق الهدى والفلاح .. إنها معركة سنلتهي بها كثيرا ما وُجِد بيننا مستفِزُّون يشعلون النار، ومستفَزُّون يؤججونها.. !!
دمتم على وطن.. !!
———
مقالات لنا ذات صلة:
• حين ” ينتفض ” المسلمون لنصرة الإسلام فيسيئون له (أبريل 2009).
• إِلِّا رَسُولَ اللهِ ، يَا عَصِيدُ ! !(أبريل 2013)
• أَنَا الْحُرِّيَّةٌ، وَلَسْتُ “شَارْلِي إِيبْدُو” !(يناير 2015).
• مُسْتَفِزُّونَ وَمُسْتَفَزُّونَ… وَتَسْتَمِرُّ التَفَاهَاتُ ! (أكتوبر 2019).


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.