تحت عنوان: “اليوم الذي هدد فيه قايد صالح بإرسال دبابات لعزل بوتفليقة”، قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة أُجبر، يوم 2 أبريل عام 2019، على الاستقالة بعد أسابيع من الاحتجاجات، ونتيجة لعملية لي الأذرع مع الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، قائد الجيش وقتها.
وذكرت الأسبوعية الفرنسية أنه في ذلك اليوم قبل الساعة الثامنة مساء، استقبل الرئيس عيد العزيز بوتفليقة رئيسي المجلس الدستوري ومجلس الشيوخ وسلمهما رسالة استقالته، وقامت الكاميرات بتصوير المشهد، الذي سيتم بثه بعد ذلك بوقت قصير على التلفزيون الوطني. وكانت تلك آخر صور لبوتفليقة الذي يترك السلطة بعد عشرين عاما من تنصيبه على رأسها من قبل الجيش، تقول “جون أفريك”، معتبرة أن سيناريو “الاستسلام” هذا لم يتخيله الرئيس السابق وعائلته ومعاونوه المقربون وأنصاره المخلصون. ومع ذلك، فقد ارتسم خلال الأسابيع التي أعقبت بدء احتجاجات يوم الجمعة 22 فبراير الرافضة لترشيحه لفترة رئاسية خامسة.
ومع مرور الوقت واستمرار خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع للمطالبة برحيله، أصبحت مسألة استمرار قيادته للدولة أمرا مستحيلا، خاصة وأن رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الجنرال أحمد قايد صالح، الذي كان حتى ذلك الحين يدعم بوتفليقة بشكل ثابت، قرر في النهاية التخلي عن الرئيس.
وتابعت “جون أفريك” التوضيح أن نقطة التحول الكبيرة الأولى كانت يوم الأحد 10 مارس عندما عاد الرئيس من جنيف حيث تم إدخاله إلى المستشفى منذ 24 فبراير. يومها خرج قايد صالح بخطاب يبدو وكأنه يمثل قطيعة نهائية بين المؤسسة العسكرية والرئيس بوتفليقة الذي يتمسّك بمقعده: “الجيش يفتخر بانتمائه إلى هذا الشعب الشجاع الأصيل، ويشاركه نفس الشيء، القيم والمبادئ”، قال قائد صالح.
فَفهم الرئيس وعائلته أن اللعبة شارفت على الانتهاء -تقول “جون أفريك”- ومع ذلك، لم يستسلموا منذ البداية وحاولوا الحصول على مخرج آخر في 11 مارس، بعد أربعة أيام من موجة أخرى من مظاهرات الجزائريين في الشوارع للمطالبة مجددا برحيله ورحيل “العصابة”.
وعليه، أوضح بوتفليقة أنه لم يكن أبدا ينوي الترشح لفترة رئاسية خامسة، وقرر تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 أبريل إلى أجل غير مسمى، ومعلنا عن عقد مؤتمر وطني مهمته “وضع دستور جديد قبل الانتخابات” في نهاية السنة، وذلك بهدف تهدئة غضب الشارع، وكسب الوقت من أجل إيجاد خطة بديلة تسمح للعائلة الرئاسية بالحفاظ على زمام السلطة. غير أنه اتضح أن هذه المهمة يائسة.
ويوم الجمعة، 22 مارس 2019، نزل الجزائريون بأعداد أكبر في جميع أنحاء البلاد. بعد الظهر، توجه الجنرال أحمد قايد صالح إلى إقامة الرئيس للقاء مجلس الأسرة الذي شكله بوتفليقة وشقيقاه وشقيقته زهور. وكانت مهمة قائد الجيش بسيطة بقدر ما هي واضحة: الحصول دون قيود على رحيل رئيس الدولة. حيث وضح قايد صالح لمحاوريه أن الوقت قد حان للاستقالة وفقا للمادة 102 من الدستور، التي تنص على أنه في حالة الإصابة بمرض خطير ومسبب للعجز، يجوز للرئيس الاستقالة أو يخضع لإجراءات العزل. في المقابل، قدم قايد صالح ضمانات لسلامة وحماية الأسرة الرئاسية. وتعهد سعيد بوتفليقة أمام شقيقه الجالس على كرسيه بنشر خطاب الاستقالة بحلول يوم الأحد 25 مارس على أبعد تقدير.
في الواقع –تتابع “جون أفريك”- لم تكن عائلة بوتفليقة تنوي التنازل عن العرش. على الأقل ليس بعد استكشاف سيناريو آخر. والخطة “ب” كان سعيد يحضر لها منذ عدة أيام. ففي 8 مارس، أوضح ذلك أمام خالد نزار، وزير الدفاع السابق، الذي كان يأخذ استشارته. حيث أوضح سعيد لمحاوره أنه مستعد لإعلان حالة الطوارئ أو حالة الحصار لإخماد الثورة الشعبية. يثني عليه نزار، لكنه يتفهم مدى إصرار الأسرة الرئاسية على الاحتفاظ بالسلطة.
وأيضا اتصل سعيد بالجنرال الآخر المتقاعد محمد مدين المعروف باسم “توفيق”، الرئيس السابق للاستخبارات، حيث أعد الاثنان سيناريو يسمح للرئيس بوتفليقة وحاشيته بالبقاء في السلطة، لغاية التحضير للخلافة. لكن قايد الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، لم يكن غافلا عن أي شيء، إذ كان على دراية كاملة بتلك المناورات، بفضل التنصت والمراقبة والمعلومات المختلفة من الخدمات التي كان يسيطر عليها.
وفي يوم السبت 23 مارس، عاد قايد صالح إلى الإقامة حيث الرئيس للتأكد من أن الأسرة تحافظ على الالتزام الذي قطعته في اليوم السابق. هناك، لم يجد سوى أخت بوتفليقة وصديق قديم للرئيس. وعندما طلب مقابلة رئيس الدولة، قيل له إنه متعب كثيرا. ثم سأل عن سعيد، فقيل له إنه غائب. إلا أن الأمن الرئاسي الذي يتكفل بحماية المسكن أبلغ قايد الجيش بأن سعيد بوتفليقة موجود بالفعل في المنزل ولكنه يختبئ حتى لا يضطر إلى مقابلته، وفق ”جون أفريك” دائما.
عندها – تتابع المجلة – فَهم قائد الجيش أن العائلة الرئاسية لا تنوي فقط عدم احترام وعد إعلان الاستقالة، بل إنها تضع خطة بديلة يُستبعد منها هذا الأخير. إنها مسألة وقت الآن.. والحسم هو لصالح الشخص الذي يتحرك بشكل أسرع، تقول “جون أفريك”.
في 26 مارس، دعا أحمد قايد صالح، من ورقلة جنوبي البلاد، إلى تطبيق المادة 102. باختصار، الاستقالة أو الإقالة. وفِي اليوم الموالي، التقى سعيد بوتفليقة بالجنرال توفيق في دار العافية، المملوكة لوزارة الدفاع، حيث ناقش الرجلان الوضع المتفجر في البلاد، واقترح توفيق طلب رأي المجلس الدستوري، الهيئة الوحيدة المخولة تنفيذ هذا البند – توضح “جون أفريك” دائما، مضيفة أن سعيد استحضر بعد ذلك إقالة أحمد قايد صالح، لكن توفيق أثناه عن ذلك من خلال التوضيح لمحاوره أن إقالة رئيس أركان الجيش من اختصاص الرئيس. واقترح توفيق أسماء أحمد بن بيتور وعلي بن فليس، رئيسين سابقين للحكومة، لقيادة فترة انتقالية. هي فكرة عارضها سعيد بوتفليقة بشدة، غير أنه لم يمانع، في المقابل، قيادة الأمين زروال الرئيس السابق الذي خلفه عبد العزيز بوتفليقة عام 1999، لهذه الفترة الانتقالية.
بعد ظهر الأربعاء، انضمت إلى الرجلين لويزا حنون، زعيمة حزب العمال، والتي ظلت قريبة جدا من عائلة الرئيس. وقد واصل الثلاثة محادثاتهم حتى المساء. وقد أوصى توفيق سعيد بإطلاع أحمد قايد صالح على كل ما تم تبادله.
في 2 أبريل، كشف الأمين زروال في رسالة عن تفاصيل لقائه بالجنرال توفيق. وهي فرصة لم يفوتها قايد صالح الذي اعتبر أن العشيرة الرئاسية تستعد لانقلاب ملتو لإزاحته من منصبه وإحكام قبضتها على السلطة. وبالتالي، لم يعد هناك وقت للتضييع، بوتفليقة و“زمرته” يجب أن يغادروا على الفور، بحسب قائد صالح، خلال اجتماع في وزارة الدفاع حوالي الساعة 5 مساء.
من مكتبه في مقر وزارة الدفاع، اتصل أحمد قايد صالح –بحسب “جون أفريك” دائما- بالسكرتير الخاص لبوتفليقة وقال له ”قل للرئيس أن يعلن استقالته قبل الثامنة مساء الليلة“، مهددا بتطويق مقر إقامة بوتفليقة وإرسال الدبابات إلى هناك إذا لم يمتثل الأخير. ليعلن بوتفليقة عن استقالته في تلك الليلة كما طُلب منه.
التعليقات مغلقة.