أكادير: مناقشة أطروحة جامعية تحت عنوان “الجرائم الناشئة عن استخدام الأنترنيت والوسائط الإلكترونية المتعددة”

عبد اللطيف الكامل - بتصرف

إحتضنت كلية الحقوق بأكَادير، أمس الخميس 15يوليوز الجاري، مناقشة أطروحة لنيل شهادة الماستر في سلك “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” تحت عنوان “الجرائم الناشئة عن استخدام الأنترنيت والوسائط الالكترونية المختلفة” للباحث الشاب سعيد المنصوري، والذي ألقاها أمام لجنة علمية مكونة من الدكتور أحمد قيلش مشرفا والأستاذ النقيب نور الدين خليل رئيسا وعضوية كل من الدكتورين أحمد أطويف ومحمد بن التاجر.

وبرر المنصوري اختياره لهذا الموضوع، نظرا لراهنيته من جهة، ولكون الجريمة المعلوماتية من جهة أخرى أصبحت تحتل مكانتها ضمن المنظومة التجريمية إلى جانب الجرائم التقليدية، بحيث لازال التعاطي التشريعي معها لم يستطع بعد الحد من خطورتها وقمع مرتكبيها والعمل على توفير أسباب وشروط الأمن القانوني الجنائي الرقمي.

وذكر سعيد المنصوري في تقريره المقدم أمام اللجنة العلمية أن صور الجرائم المترتبة عن استخدام الأنترنيت تنوعت بحسب طبيعتها عن الجرائم الماسة بالأموال والمعطيات الشخصية، والتي تتزايد خطورتها بالنظر إلى الأساليب المعتمدة في ارتكابها، دون أن نسيان الجرائم الماسة بأمن واستقرار المجتمع.

ونظرا لما يترتب عن الإستعمال السيء للأنترنيت والوضع المقلق الذي يخلفه،أكد الباحث أن الحد من خطورة هذه الجرائم، يستدعي تدخلا تشريعيا لإيجاد الصيغ القانونية والمؤسساتية الكفيلة للتصدي للجريمة المعلوماتية، علما أن المغرب قد انخرط في هذا الورش منذ مدة ليست بالهينة، وفاء منه لإلتزاماته الدولية، وذلك من خلال سن مجموعة من القوانين لمحاربة الجريمة المعلوماتية، كما حاول اعتماد مقاربة علمية في البحث والتحري عن جرائم الأنترنيت.

ومن جهة أخرى اعتبر الباحث في رسالته الجامعية القيمة، تغوّل الجريمة المعلوماتية وتناميها في السنوات الأخيرة لكونها سارت في منحى آخر في التطور، مستفيدة من سياقات زمنية معينة ومن شروط مصاحبة، ارتباطا مع انتشار الآلة (الوسيلة) المتمثلة في الأجهزة الإلكترونية (حاسوب محمول أو الكمبيوتر أو هاتف نقال، لوحة إلكترونية،…).

ومن ثمة أصبح الجميع، يقول الباحث، أمام جريمة من نوع آخر، جريمة يتم ارتكابها عبر الأنترنيت وهي التي عرفها الفقه الجنائي المعاصر بالجرائم المتطورة بعدما أتاح عالم اليوم مساحة واسعة لممارسة الآلة انسجاما مع التطور الذي عرفه العالم التكنولوجي الحديث مع هيمنة العلوم الرقمية على كافة مناحي الحياة.

وكانت هذه الأسباب بمثابة مسوغات دفعت الباحث إلى الغوص في بحثه لتحقيق فائدتين، إحداهما علمية والثانية عملية، على اعتبارأن الجريمة المعلوماتية فرضت على المشرع المغربي التصدي لها بمقتضيات قانونية خاصة فيما يتعلق بالشق الموضوعي، علما أن خصوصية هذا النوع من الجرائم تمتد لتشمل أيضا الشق الشكلي فيما يتعلق أساسا بإجراءات البحث والتحقيق والإثبات، يؤكد الباحث،
ومبرره في ذلك هو أن الجريمة المعلوماتية ترتكب في بيئة افتراضية وبآليات افتراضية شكلت تحديا كبيرا أمام الإجراءات التقليدية في البحث عن الجرائم وحجز أدلة ارتكابها، كما هو الحال بالنسبة للتفتيش والمعاينة والحجز.

وتمتاز الجريمة المعلوماتية بطابعها العابر للحدود والقارات، حيث يمكن أن ترتكب الجريمة الواحدة في أكثر من دولة بل في دول متعددة، وهو أمر يستدعي التجاوب الفعال من حيث آليات تعاون الدولة، سواء على مستوى الإختصاص القضائي، أو على مستوى آليات البحث والتحقيق ومعاقبة المجرمين وتسليمهم.

أما عن أسباب تنامي هذه الجريمة الناشئة عن استخدام الأنترنيت، فقد حددها في التحولات العميقة التي يشهدها العالم المعاصر بفضل الثورة التكنولوجية الهائلة، أوكما يسميها البعض ب “الثورة الرقمية” التي منحت مساحة أكبر وأوسع لارتكاب هذه الجريمة المعلوماتية، لتتجاوز الحدود الجغرافية للدول، علاوة على حرية تنقل الأشخاص والأموال والمعلومات بطريقة مرنة وبشكل لم يكن مشهودا من قبل، يقول الباحث.

وأضاف أن الجانب الإيجابي والمضيء للتقدم المعلوماتي والتكنولوجي، صاحبته مجموعة من الإنتكاسات السلبية، بسبب سوء استخدام تقنية المعلوميات، والإنحراف بها عن الأغراض الإنسانية الخدماتية النبيلة، مما أدى إلى ظهور جرائم مستحدثة، عابرة للحدود، لكونها مرتكبة على نطاق واسع، وتتسبب في الإعتداء على القيم والمصالح المشتركة للأفراد والمؤسسات، وقد تمس كذلك النظام العام ومصالح الدول.

وقال:”مايزيد من انتشار وذيوع الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر البرامج الخاصة بالجواسيس وكذا الهواتف النقالة، علما أن هذه الأخيرة أصبحت اليوم في متناول الجميع، بحيث تمنح فرصا واعدة للإتصال والتواصل مما يسهل على المجرم المعلوماتي ارتكاب جرائمه بعيدا عن الأنظار، وفي خلوته، مستغلا ذكاءه ومعرفته بالنظم المعلوماتية الحديثة”.

ولذلك فاستخدام الأنترنيت والوسائط الإلكترونية المختلفة والمتعددة يتيح لكافة الإلكترونيين فرصة ارتكاب بعض السلوكات المنحرفة في العالم الإفتراضي والتي لاتحتاج سوى بعض دقائق عن بعد، مما يوفر فرص مواتية لارتكاب نوع خاص من الجرائم التي تشكل خطورة على الحقوق والحريات الفردية والجماعية وتهدد أمن واستقرار الدول والشعوب.

وخلص الباحث في خاتمة رسالته إلى أن موضوع الجرائم الناشئة عن استخدام الأنترنيت موضوع شائك، مرتبط بمجال يعرف تطورا سريعا ألا وهو مجال المعلوميات، وأن أهم نقطة ينبغي فهمها واستيعابها، تتمثل في كون الجرم المعلوماتي يمس كرامة الوطن والمواطن في ذات الوقت، ويهدد في بعض الحالات كيان أسر، مما يحتم على الجميع في التعامل بالمعلوميات، استحضار الجانب الإيجابي منها دون السلبي الذي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.

لكن كل ما تم إعداده إلى حد اليوم من مجهودات أمنية واجتهادات قانونية وقضائية، ليس كافيا للحد من هذه الجريمة، ما لم يتم إشراك وتكوين كافة المتدخلين في هذا المجال. من قضاة وشرطة علمية وجنائية واستعلاماتية… وتوفير لوجستيكيات متطورة في الميدان، وتنظيم ندوات تحسيسية بأهمية الخطر الذي يشكله الفعل الجرمي المعلوماتي سواء على الأفراد أو المؤسسات.

وأوصى الباحث سعيد المنصوري في هذه الرسالة بمجموعة من التوصيات من أبرزها:

1- ضرورة وضع استراتيجية متناسقة جديدة ومتكاملة لمراقبة الأمن في مجال التفتيش المعلوماتي باعتبار ما للأمن المعلوماتي من أهمية في ترسيخ واستقرار المعاملات الإلكترونية.

2- اتخاذ التدابير التشريعية في ميدان الإثبات والأدلة والقواعد المسطرية المتناسبة مع طبيعة هذه الجرائم، مع الحرص على عدم مخالفتها لكل الضمانات الدستورية والقواعد المشروعية والحق في الخصوصية.


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.