رِسَالَةُ التَّفَاهَةِ خِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ الْأَبْرَكَ.. !

• صالح أيت خزانة.

أثير، خلال شهر رمضان الأبرك، نقاش أقرب إلى اللغط منه إلى شيء آخر، بعد محاضرة الداعية الأستاذ ياسين العمري التي انتقد فيها بعض العروض التلفزية التي “تتحفنا” بها التلفزة المغربية بقنواتها المحدودة كل شهر رمضان من كل سنة، وتستفز بها،عن سبق إصرار وترصد، مشاعر المغاربة الروحية، وحرمة هذا الشهر الفضيل. فيما يسمى مسلسلات التسلية والفرفشة، وهي في الحقيقة حرب قيمية وهوياتية كبرى تنخرط فيها التلفزة المغربية، عن قصد أو غير قصد، تستهدف فيها التزام المغاربة خلال هذا الشهر الكريم، وتجر فيها ضعافهم ممن انتبهوا، أخيرا، إلى الطريق “الصَّح”، وبدأت بوادر الالتزام، وتباشير التوبة والمراجعة تَعِنُّ في الأوساط الغافلة. فكان لا بد من سبل لنشر الغشاوة والتشكيك في هذه النفوس البِكرة التي بدأت دروس الوعظ، ونفحات الشهر الفضيل، تعمل عملها في دواخلها التائهة. فكان العمل، على قدم وساق، لإلهاء هذه النفوس التي بدأت تتبين الطريق الحق، قبل أن تتحول إلى الصف الآخر، فتُفقِد أهل التفاهة جمهورا كان يصفق لتفاهتها بما كان يجر عليها من الأرباح الشيء الكثير.

فليس فيلم واحد فقط من انتدبه أصحابه ليلعب هذا الدور الخبيث، ويقدم هذه الرسالة الساقطة في منظومة القيم، بل أغلب الأفلام، والسيتكومات، والسكيتشات، تلعب هذا الدور، وتسعى لتحقيق هذا الهدف التدميري الرهيب.

“مكتوب”؛ هذا الفيلم الذي أثار الكثير من النقاش وردود الفعل بسبب قلبه للحقائق، وتلبيسه على عقول الناس وأفكارهم وقناعاتهم، بما يشكك في مسلمات قيمية ظل الحكم المجتمعي لدى المغاربة ثابتا وقطعيا فيها، ليس سوى واحدٍ من هذه الأفلام “الباسلة” التي رفعت مشعل السقوط، وعَلَم الظلام، واستطاعت أن تتسلل إلى داخل بيوت المغاربة، بممثلين لهم تقدير لدى عامة المغاربة، لتمرر سمها الزعاف، وتقدم الباطل في لبوس الحق، والمنكر في لبوس الحداثة والرقي والفضلية حتى.

“الشيخة” التي حاول هذا الفيلم أن يقدمها في لباس الصلاح والنجاح والقدوة، كما حاولت هي ذاتها أن تقتعد ذات رمضان منبر الوعظ والإرشاد، هي تلك المرأة التي ارتبطت في أذهاننا ونحن صغار بكل المعاني الساقطة، والأفعال المرفوضة دينيا ومجتمعيا، كما ارتبطت في أذهاننا بالجرأة الفاضحة في زمن لم تكن هناك قنوات الإباحة، ولا مواقع الجنس والرذيلة، وكنا نضعها، بسلوكها الجريء، آنئذ، في ذات الموقع والمنزلة التي نضع فيها اليوم ساقطات المواقع الإباحية. ليأتي اليوم منتوج “فني” أنفِق عليه ملايين الدراهم من أموال دافعي الضرائب، في شهر رفعه الله وكرمه، ليقدم صك براءة لهذه “الأيقونة الغنائية” خلال قصة ترفعها إلى مرتبة الأم الناجحة في تربية أبنائها التربية الحسنة، في إيحاء إلى أنه لا ضير من الاسترزاق من التفاهة؛ بل التفاهة، أو ما يعتبره المغاربة كذلك، هي إحدى أدوات الرقي الاجتماعي، والنجاح الأسري. فلا فرق بين موظفة، أو طبيبة، أو مهندسة، أو أستاذة،.. و”شيخة” تقضي جل وقتها في هز الأرداف، وتحريك الأحواض، وإثارة الشهوات. فهذه كتلك، مهنة تستحق منا كل التقدير والاحترام بذات القدر الذي استحقته منا مهن أخرى حازها أصحابها بالجد، والمكابدة، وسهر الليالي..زعموا !!.

هذه، باختصار شديد، الرسالة التي حاول الفيلم إياه أن يرسلها لنا. بل هي الحقيقة التي حاول أن يقنعنا بها مضمون أغلب المنتوج الفني الذي تعرضه القنوات التلفزية، والذي يزداد سعاره أكثر، خلال شهر التوبة والغفران لحاجة في النفس لا تخفى على طفل. (نستثني، هاهنا، قناة الثقافية وقناة محمد السادس للقرآن الكريم اللتين نرفع لهما القبعة ونعتبرهما شمعتين مضيئتين وسط هذا الظلام الإعلامي التافه).. !!.
أخيرا، ليس هدفي من إثارة هذا الموضوع الانخراط في النقاش الدائر حوله، بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، أو معارض لهذا الطرف أو ذاك، ومن ثم التموقع بين أحضان هذا الطرف أو ذاك، ولكن هدفي أن أجيب عن سؤال كبير وعريض ظل المغاربة يطرحونه كلما هَلَّ هذا الشهر الفضيل عليهم، وواجهتهم قنواتهم التلفزية، بشكل ممنهج، بهذا القدر من “الحموضة”، والتفاهة، وقلة الحياء، ألا وهو: لماذا لا تحترم هذه القنوات أجواء هذا الشهر الفضيل، وتُمعن في السباحة ضد تيار الغالبية العظمى منهم؟.

والجواب: لأنها، بكل بساطة، تخشى من انفضاض جمهور التفاهة من حولها وانتقاله إلى الصف الآخر، فانخرطت في نشر التفاهة لإيقاف زحف الفضيلة، وتأبيد السقوط والغفلة.. !.

دمتم على وطن.. !!


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.