في قلب جبال إقليم اشتوكة أيت باها، وتحديداً في مركز الجماعة الترابية سيدي عبد الله البوشواري، أسدل الستار على مهرجان تزرزيت في دورته لسنة 2024، تاركاً وراءه بصمة لا تُمحى من الإبداع والتألق. هذا الحدث الاستثنائي، الذي جمع بين عبق التراث وروح التجديد الفني، شكّل نقطة تحول في المشهد الثقافي والاقتصادي للمنطقة.
فتحت شعار “المحافظة على التراث المحلي رهان جماعي ومدخل أساسي للتنمية”، تحولت هذه البقعة الجبلية الهادئة إلى ملتقى نابض بثراء العرض الفني والثقافي والاقتصادي المبهر، مستقطبة أنظار الزوار من داخل وخارج الإقليم، وكأنها لوحة فسيفساء متناغمة، تمازجت فيها ألوان الإبداع الفني مع روائح المنتجات المحلية العطرة، لترسم صورة حية لهوية المنطقة وأصالتها.
وفي قلب هذا المشهد البديع، برز رقمان كانا بمثابة المايسترو الذي قاد هذه السيمفونية الثقافية بإتقان: المجلس الجماعي الترابي بقيادة رئيسه الشاب الديناميكي محمد الروداني، وجمعية أبراز للتنشيط الثقافي والرياضي. هذا الثنائي المتناغم نجح في صياغة معادلة النجاح، محولاً الحلم إلى واقع ملموس يتنفسه كل من حضر المهرجان.
وعلى مدى أيام المهرجان، تحول مركز الجماعة إلى خلية نحل نشطة، تعج بالحياة والحركة. زوار من كل حدب وصوب، جاؤوا ليغرفوا من معين الثقافة والفن، وليستمتعوا بعرض فني وثقافي واقتصادي متنوع، أضفى على هذه الجماعة الجبلية التي تشهد منذ مدة دينامية تنموية ملفتة بالدائرة الجبلية، رونقاً خاصاً وقيمة مضافة لا تقدر بثمن.
وكأنها لوحة فنية متحركة، تراقصت على مسرح المهرجان ألوان الفن المحلي والجهوي والوطني. فبين أجماك الجبل وروايس السهل تمازجت قوة الكلمة وعذوبة الألحان لتؤسس معنى حقيقيا لكلمة الإبداع الفني، فنانون متألقون من مختلف الأنماط الموسيقية تألقوا في تقديم لوحات فنية خلابة، مزجت بين عبق العراقة والتجديد، لتنسج خيوطاً ذهبية من التواصل بين الأجيال وتنوع الأذواق.
ولم يقتصر المهرجان على الجانب الفني فحسب، بل كان بمثابة منصة حقيقية للتنمية الاقتصادية. فعلى مساحة 2500 متر مربع، انتشر معرض المنتوجات المحلية “تزرزيت” كحديقة غناء، ضمت بين جنباتها 40 عارضاً من التعاونيات النشيطة. هناك، تعانقت رائحة زيت الأرگان مع شذى الزعفران، وتمازج طعم العسل مع نكهة التمور واللوز، لترسم لوحة حسية متكاملة تعكس غنى وتنوع المنطقة.
والظاهر أن نجاح هذا المهرجان لم يكن وليد الصدفة، بل كان ثمرة جهود متضافرة وتعاون مثمر بين مختلف الأطراف. فمن جمعية أبراز إلى جماعة سيدي عبد الله البوشواري، ومن عمالة إقليم اشتوكة أيت باها إلى المجلس الجهوي والمجلس الإقليمي، كلهم ساهموا في نسج هذه الملحمة الثقافية.
وفي لفتة تعكس الاهتمام الرسمي بهذا الحدث، أشرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، على افتتاح المعرض، مرفوقاً بكوكبة من المسؤولين على رأسهم عامل الإقليم جمال خلوق ، والمنتخبين، مما أضفى على المهرجان بعداً وطنياً وإشعاعاً أوسع.
مهرجان تزرزيت 2024 لم يكن مجرد حدث ثقافي ذا برنامج محدد في الزمان والمكان، بل كان بمثابة نافذة أطلت منها هذه المنطقة الجبلية على المحيط القريب والبعيد، لتؤكد أن الجبال، بصمودها وشموخها، قادرة على أن تكون منارة للإبداع والتنمية. وبفضل القيادة المتميزة والمبدعة لمحمد الروداني وفريقه، أثبتت جماعة سيدي عبد الله البوشواري أنها قادرة على رسم مستقبل مشرق، يجمع بين أصالة الماضي وطموحات الحاضر، ليبقى مهرجان تزرزيت شاهداً على أن الإبداع والتراث هما الجناحان اللذان تحلق بهما التنمية المستدامة في هذه الربوع الجبلية.
التعليقات مغلقة.