في مانفيستو شعري فريد بروح زوربا اليوناني وإيقاع الفلامنكو الإسباني.. رئيسة فرع رابطة كاتبات المغرب: “لن نذبح الأمنيات” !
لا تبحث هنا عن همس الكلمات الرقيقة أو الصور الحالمة، فأنت أمام إبداع جديد يحمل من التفرد والتميز مايجعله، حقا، جديراً بالمتابعة والاهتمام البالغ..
في ديوانها الجديد “ترقصين كطائر فلامنكو”، الشاعرة الأستاذة المتألقة والمبدعة “أمينة الحدادي” لا تكتب قصيدة، بل تدق بقدميها على خشبة مسرح الحياة. إنها لا تقدم تهويدة ناعمة، بل الإيقاع العنيف والصادق لرقصةٍ وُلدت من رحم الوجع، وتتغذى على التحدي.
من قلب اشتوكة أيت باها، حيث تقود فرع “رابطة كاتبات المغرب”، تطلق الحدادي هذا العمل اللافت عن منشورات “دار القلم”. إصدار يبدو من عنوانه ولوحته الصارخة، أنه ليس مجرد ديوان شعر، بل هو دعوة صريحة لمواجهة الألم بالرقص، وتحويل كل انكسار إلى خطوة عنيدة نحو الأمام.
فهل يمكن للشعر أن يرقص؟ أمينة الحدادي تجيب: نعم، حين يكون ثمن البقاء هو الرقص فوق الجراح..
في زمنٍ باتت فيه الكلمات تستهلك بسرعة الضوء، يأتي ديوان شعري جديد ليفرض إيقاعه الخاص، متمرداً على الصمت والنسيان. أصدرت الشاعرة الأستاذة أمينة الحدادي، رئيسة فرع اشتوكة أيت باها لـ”رابطة كاتبات المغرب”، مجموعتها الشعرية الجديدة الموسومة بعنوان لافت: “ترقصين كطائر فلامنكو”، عن منشورات “دار القلم”. العنوان وحده ليس عتبةً للنص، بل هو بيان شعري مكثّف، وإعلان عن فلسفة حياة كاملة تنسجها الشاعرة بين دفتي كتابها.
الفلامنكو.. رقص على أرض من زجاج مكسور
لم يكن اختيار “الفلامنكو” مجرد استعارة جمالية. فمن يعرف هذا الرقص الإسباني العريق، يدرك أنه ليس مجرد حركات جسدية، بل هو تجسيد لـ”الدويندي” (Duende)؛ تلك الروح التي تنبع من عمق الألم والمعاناة لتنفجر على شكل فنٍ عنيف وصادق. إنه رقص يضرب الأرض بقوة، كأنه يريد أن يوقظها من سباتها أو يشتكي لها من ثقل الحياة.
هذا هو المفتاح الذي تقدمه الحدادي لقارئها. فالمرأة في نصوصها لا ترقص على مسرح من حرير، بل ترقص فوق جراحها، محوّلةً كل انكسار إلى إيقاع، وكل دمعة إلى نوتة موسيقية حارقة. لوحة الغلاف، بريشة فنان استوعب الفكرة، تجسد امرأة تلتهمها ألوان نارية وزرقاء، في حركة دائرية فريدة، وكأنها تقول إنها كل امرأة تكافح لتحويل هشاشتها إلى قوة.
“يا زوربا.. لن نذبح الأمنيات”
وإذا كان الغلاف هو المفتاح، فإن ظهر الكتاب هو قلب المفاعل. هنا، تكشف الشاعرة عن مرجعيتها الفكرية في مقطع شعري قصير لكنه شديد الكثافة:
“وجهان نحن يازوربا
نسرق الخبز الجاف من الأفق
نشوي الأحلام بعين الشمس
مرة أخرى يازوربا،
لن نذبح الأمنيات…”
استدعاء شخصية “زوربا اليوناني” ليس اعتباطياً. زوربا هو رمز الإنسان الذي يعانق الحياة بكل تناقضاتها، يرقص في جنازاته، ويجد سبباً للفرح في قلب الخراب. الحدادي، عبر هذا النداء، تعلن انحيازها لفلسفة البقاء العنيد. صورة “سرقة الخبز الجاف من الأفق” هي تجسيد دقيق للكفاح اليومي المرير، أما “شوي الأحلام بعين الشمس” فهي صورة للتحدي، لصناعة الأمل من لا شيء، تحت أقسى الظروف.
والجملة القاطعة “لن نذبح الأمنيات” هي المانيفستو الذي تقوم عليه المجموعة الشعرية بأكملها. إنها صرخة ضد اليأس، وتأكيد على أن الأحلام، حتى وإن كانت جريحة، يجب أن تظل حية تتنفس.
رحلة في فهرس الروح
جولة سريعة في فهرس الديوان تكشف عن خريطة هذا العالم الشعري المتقلب. تتجاور عناوين مثل “حلم منحسر” و”هشيم تذروه الرياح” مع عناوين أخرى تحمل شحنة التحدي مثل “لهب نار على مرمى خطاي” أو التساؤل الوجودي “هل الجبال تخون؟”. هذا التجاور ليس تناقضاً، بل هو تصوير أمين لواقع النفس البشرية التي تتأرجح بين قطبي اليأس والرجاء.
من “شُعاع ديسمبر” البارد إلى “فصد الدم” المؤلم، ومن رقة “البجعة البيضاء” إلى نيران “الفلامنكو”، تأخذنا الشاعرة في رحلة لاكتشاف أن القوة الحقيقية لا تكمن في غياب الألم، بل في القدرة على احتوائه ومواصلة الرقص رغم وجوده.
إن إصدار “ترقصين كطائر فلامنكو” ليس مجرد إضافة للمكتبة الشعرية المغربية. إنه صوت ضروري يأتي من قلب منطقة سوس، حاملاً معه هوية ثقافية واضحة من خلال موقع صاحبته كرئيسة لفرع كاتبات المغرب باشتوكة أيت باها، ليقول إن الشعر لا يزال قادراً على الإمساك بتلابيب الحياة، وتشريحها، ومن ثم تقديم وصفة غير تقليدية للنجاة: أن ترقص، حتى وإن كانت الأرض تحت قدميك لهيباً.
التعليقات مغلقة.