وتستمر حكاية التباكي على الأطلال، مع أنها كما أنطقت لسانها تبقى مجرد أطلال ! حيث لا أفهم شخصيا دلالة بعض الآراء المتداولة حاليا، بمناسبة أحداث الريف، المتوخية بعث الوزير السابق السيد عبد الإله بنكيران، ضمن صفوة السياسيين الكبار، الذين أنجبتهم سياسة المغرب بعد طول سنوات عجاف. بالتالي، لو استمر على رأس الحكومة لما حدث ما يحدث، ولقضينا رمضان مثل باقي أشهر رمضان السابقة، فقط بكاء على احتقارنا من لدن حقارة الكاميرا الخفية، ولما ضحكنا حد الإغماء من تلك الفيديوهات السخيفة سيئة التركيب والإخراج، التي تناسلت على مواقع التواصل الاجتماعي، متوخية منذ البداية صب الزيت فوق النار، ونفث السم في الهواء، قصد التعتيم والتضليل سينمائيا على مطالب أهل الريف، بإخراجها ما أمكن عن سياقها الموضوعي، كما عبر عنها أصحابها، بهدف تبرير كل ممكنات وأشكال الإجهاز من لدن مسؤولي الدولة. أو ربما تواصل ازدهار تسامرنا، كما دأبنا خلال سنوات احتلال بنكيران المشهد، على التناظر بتأويلات سيكو- سوسيو سياسية، لمقارباته وكذا مختلف الخلاصات الكبرى أو منظومة الفذلكة المحشوة لغويا، التي اختزل إليها قضايا الشأن العام.
طبعا، وبغض النظر عن كل استطراد، وجوابا عن السؤال المطروح في واجهة العنوان، لم يكن ليفعل أي شيء. الشاهد، المدة القريبة جدا، الفاصلة عن عهده، وجزء من بعض مقدمات ما يجري وقع حقا خلال فترته، ولم يبادر وقتها إلى القيام بما يمكن أن يذكره له التاريخ إيجابا باستمرار، إلى جانب قضايا كثيرة، حتى لا تستفحل الأمور. وكي يتحسر عليه البعض حاليا، بعقلانية وصحوة فكر، وليس فقط امتثالا لتقليد بكائيات العقل العربي، المتوارث ضمن بنيات اختلال عميقة لهذا العقل نفسه، تجعلك غارقا في متاهة الارتدادات.
بالتأكيد، حتى لو بقي على رأس الحكومة، وتجميعا لمعطيات مسار حكومته، ستتوالى الوقائع تماما كما هي جارية حاليا، حسب لعب الكر والفر ! خطوة إلى الأمام عشر خطوات تقهقرا نحو الوراء ! قدِّم بيد وأمسك بيد ثانية، بل لا تقدم أصلا في انتظار ممكنات القادم ! جس النبض ! التقاط أصداء صحافة الخارج ! طبيعة ردود الفعل الشعبية السائدة داخليا ومستويات مدها وجزرها ! هل سكت أهل العزاء أم ما زالوا يبكون ! كيف هي الأجواء عموما…. لكن رغم ذلك، وهذه المسألة تنبغي الإشارة إليها هنا تنصيصا، حتما سيتجلى فارق وحيد وبجلاء واضح: لن يسكت طبعا، السيد بنكيران كما سكت زميله، بل سيتكلم وسيتكلم، منفرا ومبشرا، مطمئنا ومتوعدا، مستندا على أحاجيج ما يسعف من السياسة، والدين، والتراث، والحداثة، والقصص، والروايات المسلسلة، وحكايا الهند والسند، وجامع الفنا، ومواعظ سوريا والعراق، وعشرين فبراير، والمحجة البيضاء، والأحبة، والفرقة، والأخوة، والعصبية، وبالتي هي أحسن، والهداية من الله، وكلنا عباد الله، والفقراء، ودوك الدراويش “اللي لهيه” في الجبل، والعفاريت، والحلالف، والتماسيح، والزفزافي وْلْدْنا، ونبات الزفزوف، وأيام زمان، والاستبداد، والتحكم، والحكامة، والحكومة، والمحكومين، وعبد الكريم الخطابي، وغيفارا، والخطيب، وباها، والزايدي، وخطبة الجمعة، والفتن ما ظهر منا وما بطن، ومانديلا، وتقوى الشهر الكريم، وتجنب الضغينة والشنآن، وسيعصر دمعا بكيفية من الكيفيات، ثم يتدارك الوضع بقفشات لا تنتهي…
المهم، سينجح في لم شتات خلطة لغوية غير مسبوقة زمانا أو مكانا، تأخذ بألباب الحضور، تضحك الناس غير ما مرة و”تُفَوِّج” على قلوبهم المكلومة، ترميهم بأسانيد مهلهلة وهلامية، إلى إشعار مؤجل، ثم يتفرق الجمع مطمئنا، وذهبت حكايتنا مع الواد.
لنتحلى بقليل من الجدية، السيد بنكيران من صنف آخر مختلف تماما عن سلالة عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد…، طبعا من حقه أن لا يكون مثلهم؛ وهو ما يجعل قضية زعامته السياسية، بالشكل التي يتوخى البعض ترسيخها، بعيدة تمام البعد عن سياقنا هذا. أيضا، مشاكل المغرب عموما السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء بالنسبة إلى منطقة الريف أو غيرها، المتراكمة لعقود طويلة، الطارئة منها انعكاس صادق للعميقة، تتسامى كثيرا جدا عن حيل الميكيافيلية الخطابية، مثلما يستحيل اليوم شخصنة حلولها.
صحيح، وبكيفية لا غبار عليها، أن النخبة المتجذرة في العمق الشعبي، المولودة ولادة طبيعية وليس قيصرية، القوية، النزيهة، المهووسة بمصير الوطن، المستلهمة بتفان ونكران ذات لروح المشروع المجتمعي، المحتكمة أولا وأخيرا، لإطار المؤسسات وفاعليتها التاريخية، عبر المشروعية الديمقراطية، وحدها تضع البلد ضمن قاطرة التنمية والنهضة، مع ترسيخ حقيقي لوحدة الاختلاف، ثم الاختلاف في إطار الوحدة، للأمن بشقيه الكلاسيكي المألوف ثم الفكري وهو الأشمل والأوسع والأمثل والأبقى.
http://saidboukhlet.com
التعليقات مغلقة.