ثلاثون عامًا مرّت… لم تكن مجرد تقويم يُطوى أو تاريخ يُسجّل، بل كانت مسارًا ممتدًّا بين الأمل والمخاوف، بين الحلم والخذلان، بين السعي الدؤوب رغم شُحّ الإمكانيات وقسوة الجغرافيا. فمنذ 1995 والجمعية تكتب فصولها في ذاكرة الدوار، تُقرأ في ملامح الناس قبل أن تُقرأ في تقاريرها الأدبية والمالية.
لقد ظلّت الجمعية، طوال هذه السنوات، شجرةً صغيرة في حجمها، عميقة في جذورها، تضرب في تربة المكان وتستمدّ قوتها من عطش أهله إلى التضامن. قد لا تكون أوراقها كثيرة، لكن ظلّها امتدّ حيثما كان الناس في حاجة إلى ظلّ.
وحين التحقتُ بها سنة 2014، وكانت تجربتي الجمعوية محدودة، وجدتُ أنّ الملفات المطروحة – وفي مقدّمتها ملف الماء الصالح للشرب – أكبر من قدرة جمعية قروية بسيطة. غير أنّي، في المقابل، كنت أؤمن أنّ في كل مبادرة صادقة، مهما بدت صغيرة، بذرةً للرجاء، وهو ما منَّ الله به علينا.
واليوم، ونحن نطوي الصفحة الثلاثين من هذه المسيرة، لا بد أن نقف وقفة صدق مع أنفسنا: هل نستطيع أن نصون هذه التجربة ونمنحها من القوة ما يجعلها تصمد، وربما ترتقي لتصير نموذجًا يُحتذى به وطنيًا ودوليًا؟ أم نتركها للزمن، تذوب كما ذابت مبادرات كثيرة في قرانا، بعدما أرهقها النسيان والجفاف والخذلان والمحسوبية؟ أسئلة لا تُطرح من باب التشاؤم، بل من باب المسؤولية، ومن باب الحرص على أن يبقى لهذا الصرح معنى. وقد زاد حضور الأستاذ عادل عبادي، خبير التنمية الذاتية، في هذه الذكرى عمقًا لهذه الأسئلة، حين ذكّرنا بأن الأفكار العظيمة تظل حيّة ما دامت تُغذّى بالوعي والإرادة، عبر التركيز والطاقة والوقت.
إنّ ما يبقيني وفيًّا لهذه التجربة ليس كثرة الأنشطة ولا حجم المنجزات، بل قناعتي أنّ الجمعية، في جوهرها، فكرة نبيلة: أن يلتقي الناس على الخير، أن يواجهوا بضعفهم المشترك قسوة الحياة، وأن يجعلوا من التعاون جدارًا يحميهم من العزلة والتهميش.
ثلاثون سنة ليست خاتمة، بل فصل جديد يُفتح على التأمل والمراجعة. هي لحظة نضع فيها يدنا على القلب، ونقول: الأمل باقٍ، ما دامت هناك قلوب تؤمن أن الغد يمكن أن يكون أجمل. وأن أكادير ن الدوضاض، الواقف والشامخ وسط الدوار، سيظل شاهدًا على حضارة عريقة في سوس، يحكي تاريخ الأرض ويذكّر بأن هذه المنطقة لم تكن يومًا مجال غابوي… وذاك ملف آخر مطروح على طاولة مكتب الجمعية.
حسن اقديم
نائب رئيس جمعية انروز الدوضاض
إداوكنيظيف
التعليقات مغلقة.