محكمة الاستئناف بأكادير تُنصف أستاذاً اتُّهم زوراً بهتك عرض قاصر

عبد اللطيف بركة

أسدلت محكمة الاستئناف بأكادير، هذا الأسبوع، الستار على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الوسط التعليمي بمدينة تيزنيت، بعد أن قضت ببراءة أستاذ من تهمة “هتك عرض قاصر”، مُلغية الحكم الابتدائي الذي أدانه بخمس سنوات سجناً نافذة.

قرار البراءة، الذي جاء بعد عامين من الاعتقال والمعاناة، أعاد الأمل إلى الأستاذ وأسرته، وكشف في الوقت ذاته حجم الضرر الذي يمكن أن تسببه “الشكايات الكيدية” لمسارات مهنية وحياتية كاملة.

البراءة بناءً على قاعدة “الشك يُفسَّر لصالح المتهم”

في حيثيات الحكم، أكدت هيئة المحكمة أن الأدلة المقدمة ضد الأستاذ لم تكن كافية لإدانته، وأن الملف خلا من أي دليل مادي يعزز تصريحات القاصر المشتكية.

كما دعّم شهادةَ الأستاذ تقريرٌ طبي رسمي أكد خلو جسد الطفلة من أي آثار لاعتداء جنسي، إلى جانب شهادة زميلة أخرى نفت رؤيتها لأي سلوك مخل بالآداب داخل المؤسسة التعليمية.

وبناءً على مبدأ “الشك يُفسَّر لصالح المتهم”، قررت المحكمة إعلان البراءة الكاملة للأستاذ، مع تحميل الخزينة العامة مصاريف الدعوى.

“عامان من الجحيم”: أضرار نفسية وصحية ومهنية جسيمة

سنوات من العطاء التربوي تحولت في لحظة إلى كابوس امتد لعامين بين أسوار السجن.

وخلال جلسات المرافعة، كشف دفاع الأستاذ عن المعاناة القاسية التي عاشها موكله طيلة فترة الاعتقال، حيث توقفت أجرته بشكل كامل، ما حرمه من متابعة علاجه بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين على القلب.

كما تدهورت أوضاع أسرته الاجتماعية، واضطر أبناؤه إلى الانقطاع عن دراستهم الجامعية بسبب الأزمة المالية والنفسية التي ألمّت بهم.

وقال الدفاع إن هذه القضية “جسّدت أبشع صور الظلم الاجتماعي”، مشيراً إلى أن “مجرد الاشتباه، دون أدلة دامغة، كان كافياً لتدمير حياة رجل أفنى أكثر من 31 سنة في خدمة المدرسة العمومية”.

مطالب بردّ الاعتبار واسترجاع الحقوق

بعد صدور الحكم النهائي بالبراءة، عبّر الأستاذ المفرج عنه عن ارتياحه لقرار العدالة، مطالباً وزارة التربية الوطنية بإنصافه إدارياً ومهنياً عبر رفع قرار التوقيف واسترجاع كافة حقوقه المالية والوظيفية.

وأكد أنه يعتزم متابعة الجهات التي كانت وراء “الشكاية الكيدية”، مطالباً بتشديد الإجراءات القانونية ضد من يسيئون استعمال القضاء لتصفية حسابات شخصية.

قضية تفتح نقاش “الشكايات الكيدية” في الوسط التعليمي

أثارت القضية تفاعلاً واسعاً في صفوف نساء ورجال التعليم بتيزنيت، حيث عبّر عدد من الأساتذة والنقابيين عن تضامنهم المطلق مع زميلهم، معتبرين أن قضيته تكشف عن “ثغرات خطيرة” في طريقة التعامل مع الشكايات الموجهة ضد الأطر التربوية دون وجود دلائل قوية.

ودعا المتضامنون وزارة التربية الوطنية ووزارة العدل إلى وضع آليات قانونية أكثر صرامة للتصدي لما وصفوه بـ“الادعاءات الزائفة التي تهدد كرامة رجال التعليم وتزعزع الثقة داخل المؤسسة التربوية”.

عدالة متأخرة… لكنها منصفة

وبينما يغادر الأستاذ أسوار السجن حراً بعد عامين من المعاناة، يظل السؤال مطروحاً حول من سيُعيد له ما سُلب من صحته وكرامته وحياته المهنية.

لكن، وبالرغم من قسوة التجربة، فإن الحكم النهائي لمحكمة الاستئناف بأكادير أعاد الاعتبار له، مؤكداً أن العدالة – وإن تأخرت – قادرة على إنصاف المظلومين وكشف زيف الشكايات الكيدية.


آخر المستجدات
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.