اشتوكة أيت باها: كيف يمكن لإعلام القرب مواكبة إيقاع زمن الأوراش الكبرى للجيل الجديد من برامج التنمية الترابية؟ (تحليل)
تستعد عمالة إقليم اشتوكة أيت باها، بشراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة والتواصل – قطاع التواصل بجهة سوس ماسة، لتنظيم يوم دراسي حول آفاق انخراط الإعلام المحلي في مواكبة التحولات التنموية الأخيرة. لكن هذا اللقاء ليس مجرد مناسبة لطرح الأسئلة، بل هو لحظة فارقة لإعادة تعريف دور الإعلام المحلي في زمن “الجيل الجديد” من برامج التنمية الترابية المندمجة.
ولتحقيق هذه النقلة النوعية، يطرح هذا اليوم الدراسي رؤية استشرافية لتجويد أداء الإعلام المحلي وتحويله، ذاتياً، إلى لاعب فاعل وشريك حقيقي في التنمية، عبر تفعيل أبعاد أساسية للقرب، تشكل بمجموعها الأرقام الحقيقية الواعدة لمعادلة التأهيل المنشود لهذا الإعلام المحلي، في أدواره التنموية الجديدة..
رؤية استشرافية لتجويد أداء الإعلام المحلي وتحوله، ذاتياً، إلى لاعب فاعل، عبر تفعيل أربعة أبعاد للقرب:
الجغرافي (proximité géographique) (ربط السهل بالجبل)، الاجتماعي (proximité sociale) (إبراز القصص الإنسانية الملهمة)، الوجداني (proximité affective) (بناء الثقة والانتماء)، واللغوي (proximité linguistique) (ترجمة لغة التنمية).
اليوم، ونحن نتحدث عن “الجيل الجديد” من برامج التنمية، لم يعد السؤال هو “ماذا يحدث؟” بل “ماذا بعد؟”. في إقليم اشتوكة أيت باها، حيث تتسارع وتيرة الأوراش وتتجسد الرؤى التنموية على الأرض، يقف الإعلام المحلي أمام لحظة فارقة. لم يعد دوره مجرد نقل وقائع التدشين أو سرد أرقام المشاريع. لقد أصبح مطالباً بمهمة جديدة، مهمة تتجاوز الخبر لتصنع الأثر.
فما الذي على الإعلام المحلي أن يضطلع به اليوم ليكون شريكاً حقيقياً في هذه النهضة، وليس مجرد شاهد عليها؟
هي مهمة مصيرية، الانتقال من صحافة “الميكروفون” التي تنتظر التصريح، إلى صحافة “المحراث” التي تحرث في عمق المجتمع لتزرع الأمل وتواكب نموّه. إنها الشراكة الحقيقية التي تضمن ألا تكون مشاريع التنمية مجرد إنجازات تُدشّن، بل قصص نجاح تُلهم ومستقبل واعد يُصنع بسواعد أبناء الإقليم، وبأقلام وعيون إعلامه المواكب.
أن يترجم لغة الأوراش الكبرى إلى لغة “الفلاح” و”الكسّاب”..
حينما نتحدث عن مشروع محطة تحلية مياه البحر، لا يكفي أن نقول “مشروع استراتيجي لتأمين الماء”. المهمة الحقيقية للإعلام المحلي هي النزول إلى الميدان وطرح السؤال الذي يهم الفلاح في بلفاع أو إنشادن: “كيف سيصل هذا الماء إلى حقلي الصغير؟ هل سيخفف من فاتورة الطاقة التي أرهقتني بسبب ضخ المياه من الآبار العميقة؟ وماذا عن الساكن في أعالي جبال إداوكنظيف، تاركا نتوشكا وتنالت.. هل سيظل يراقب السماء منتظراً المطر.
أن يروي قصة “فاطمة” في تعاونية الأركان، لا أن يكتفي برقم الدعم
الأخبار عن دعم التعاونيات النسوية تملأ البيانات الرسمية. لكن قوة الإعلام المحلي تكمن في تجاوز الرقم والذهاب إلى “ماسة” أو “تنالت، أيت وادريم… أن يقدم لنا قصة “فاطمة” أو “رقية” التي استطاعت بفضل تعاونية الأركان أن تُعلّم أبناءها وتضمن استقلالها المادي. أن يرينا كيف تحوّل زيت الأركان و”أملو” من منتج تقليدي بسيط إلى مصدر فخر وتمكين اقتصادي محلي للمرأة القروية في جبال أيت باها.
قصة نجاح شاب من بيوكرى حصل على تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأطلق مشروعه في الخدمات الرقمية، هي أكثر إلهاماً من ألف تقرير عن عدد المستفيدين. الإعلام المحلي هو من يصنع هذه النماذج ويحولها إلى قدوة، ليبني الأمل من داخل الواقع. قوة إعلام القرب تكمن في **أنسنة (humanisation)** هذه الأرقام وتحويلها إلى قصص ملهمة تبني الوجدان الجماعي.
هذه القصص هي التي تبني الثقة، وتحفز الآخرين، وتحول المنجز التنموي من مجرد بنية تحتية إلى جزء من الذاكرة والوجدان الجماعي للإقليم. السلطات العمومية تبني المشاريع، والإعلام يبني الروح حولها.
أن يكون جسراً حقيقياً بين “الساحل” و”الجبل”
يعيش الإقليم على إيقاعين مختلفين: إيقاع السهل الزراعي السريع والمنفتح (الصفا، أيت عميرة، سيدي بيبي، بلفاع)، وإيقاع الجبل الصبور والمتجذر في هويته (أيت باها، إداوكنظيف، أوكنز…). مهمة الإعلام المحلي هي بناء الجسر بينهما.
عندما يتم إطلاق مبادرات تنموية سياحية كبيرة في الشريط الساحلي، على الإعلام أن يطرح سؤال التوازن: “وماذا عن السياحة الجبلية في أيت باها؟ كيف يمكن تثمين المخازن الجماعية “إيكودار” وتحويلها إلى وجهة سياحية ثقافية عالمية؟ كيف نفك العزلة عن الدواوير في أعالي الجبال لتستفيد هي الأخرى من دينامية التنمية؟”. وفي النهاية: كيف تترجم كل هذه العناصر المحلية إلى أرقام صناعة “العلامة الاقتصادية الإقليمية”.
أن يكون “المترجم” الأمين للطموحات التنموية الجديدة
لغة برامج التنمية قد تبدو معقدة: “التقائية (Convergence)” السياسات العمومية، “رأس المال البشري (Capital humain)”، “الاستدامة (Durabilité)”… وهنا يبرز دور صحافة البيانات (journalisme de données)، فمهمة الإعلام المحلي الأولى هي تفكيك هذه المفاهيم المعقدة وأرقامها الضخمة، وتحويلها إلى واقع ملموس ورسوم بيانية بسيطة يفهمها المواطن في بيوكرى، أو أيت باها، أو في أبعد دوار في ماسة. كيف ستنعكس مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على دخل أسرة بسيطة؟ إن تحويل لغة الإدارة إلى لغة الحياة اليومية هو جوهر الدور الجديد للإعلام.
والظاهر أن النقاش حول الأدوار المنتظرة من الإعلام المحلي في اشتوكة أيت باها ليس ترفاً فكرياً، بل أصبح شرطاً أساسياً ورقما مهما في معادلة نجاح “الجيل الجديد” من التنمية. فترجمة لغة الأرقام، وأنسنة المشاريع، وبناء الجسور بين الجغرافيا البشرية للإقليم، ليست مجرد أدوات صحفية متقدمة، بل هي آليات حيوية لخلق “الملكية المجتمعية” للمشروع التنموي. عندما يشعر الفلاح في ماسة والمستثمر في بيوكرى والمرأة في جبال أيت باها أن هذه الأوراش هي قصتهم ومستقبلهم، عندها فقط يتحقق الأثر المستدام،
فالإقيم، مؤهل لأن يكون أمام فرص لعقد “ميثاق تنموي” جديد بين الفاعلين، ميثاق تكون فيه الكلمة والصورة شريكاً أساسياً للإسمنت والحديد. لأن نجاح أوراش اشتوكة أيت باها لن يُقاس في نهاية المطاف بما يُبنى على الأرض فقط، بل بما يُزرع في العقول والقلوب من ثقة وأمل وانتماء..