مِنْ حِوَارِ الْمُؤَسَّسَاتِ إِلَى حِوَارِ الشَّارِعِ؛ هَلْ هي مَلَامِحُ انْتِكَاسَةٍ مُحْتَمَلَةٍ؟ !

صالح أيت خزانة

رغم الإشارات الهامة والاستثنائية، وغير المسبوقة، لحكومة السيد أخنوش، ورغم الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها الحكومة الحالية منذ بوازيغها الأولى، فضلا عن انفتاحها النوعي على الفرقاء الاجتماعيين من خلال فتح حوار اجتماعي، تم خلاله الحسم في مجموعة من الملفات المزمنة، خصوصا تلك المتعلقة بالتعليم؛ بدأت ملامح رِدَّة حُكمية تتسارع بشكل ملفت، ومثير للريبة والشك. مما وضع مصداقية الشعارات التي رفعها الحزب الحاكم، ومعه الحكومة، على المحك بعد أن بدأت حمى الرفض والغضب تسري في الأوساط الشعبية مع ما بدأ يشعر به المواطن العادي من ضيق معيشي مع الزيادات المهولة في الأسعار لكل المواد المعيشية وغير المعيشية .

وقد دفع هذا الوضع جمعيات وأحزابا سياسية معارضة إلى دق ناقوس الخطر، ودعوة الحكومة للتدخل من أجل لملمة هذا الوضع الذي ينبئ بانفلات الأوضاع. خصوصا وأن أغلب أسعار المواد مرتبطة بأسعار المحروقات المتحكم فيها من طرف الحكومة. مما يجعل التخفيف من هذه الأزمة مرتبط بقرار سياسي، ولا علاقة له بموضوع تحرير الأسعار، أو حكم السوق !.

فتناسل الاحتجاجات في مختلف المدن المغربية ضد هذا الوضع الذي بدأ يضيق، ويتأزم شيئا فشيئا، وعدم رضى غالبية الشعب المغربي بتدابير هذه الحكومة، وتأخر وفائها بالتزاماتها، سواء تلك التي تعهد بها الحزب الحاكم خلال حملته الانتخابية، أو تلك التي نضحت عن التصريح الحكومي والتي لقيت ترحابا نسبيا لدى عموم الشعب المغربي، حيث وجد فيها قطيعة مع تلكؤات الحكومة السابقة، التي عاش معها المغاربة فترة من البلوكاج الاجتماعي غير مسبوق، فضلا عن الوضع الحقوقي المتردي،…كل هذا قد يجر المغرب إلى “الكاو”، وقد يفتح الشارع على المجهول. خصوصا وأن الحكومة تراهن على الفرقاء الاجتماعيين لتمرير قراراتها المؤلمة. وقد بدأت هذه المراهنة منذ الأيام الأولى لتشكل الحكومة، عندما أقدمت على فتح حوار مع النقابات الأكثر تمثيلية، تلته حوارات قطاعية مؤسسة كان من ثمارها المصادقة على الإنهاء التام والكامل لبعض الملفات المؤرقة، مما أعاد الاعتبار للجسم النقابي لدى الشغيلة، خصوصا التعليمية منها. فكان في الإنهاء لهذه الملفات، وتقديم وعود بمواصلة معالجة بقية الملفات بنفس الإرادة السياسية، وبنفس الآليات الحوارية المؤسِّسة، إشارة من الحكومة إلى النقابات الأكثر تمثيلية بكونها مسؤولة على “تفهم” القرارات المقبلة التي ستتخذها الحكومة، والتي ستكون غاية في الإجحاف، والهتك للحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. والتي ستحتاج إلى “مساندة” من النقابات لتمريرها عبر إقناع الشغيلة بجدوائيتها، أو على الأقل، عبر الحياد الإيجابي المتمثل في الكف عن الانخراط في الرفض، وتزعم الاحتجاجات.

غير أن هذا السلوك من الحكومة، إن خضعت له النقابات، واقتنعت بجدواه، بشكل من الأشكال، في ظل هذا السخط الذي بدأ يسري بين المواطنين، ولمَّا تبلغ الحكومة سنتها الأولى، قد يكون القاضية التي ستقضي على ما تبقى من قنوات الحوار المؤسسة مع الشعب، وقد يدفع إلى إنهاء السلم الاجتماعي، وتحويل الحوار من حوار المؤسسات إلى حوار الشارع.

نعم، قد تكون الحكومة واعية بصعوبة القرارات التي ستقدم عليها، كما قد تكون واعية بمقدار الألم الذي ستخلفه هذه القرارات، وكذلك بمقدار ردود الفعل التي قد تنضح عن تنزيل هذه القرارات، والتي قد تكون غير محسوبة خصوصا إذا اختار ممثلو الشعب من النقابات الأكثر تمثيلية، ومن الأحزاب السياسية، الحياد السلبي، أو اختاروا الاصطفاف جانب الحكومة وقراراتها. لكنها قد تضطر، أمام الإكراهات الماكرو – اقتصادية والمالية، بالإضافة إلى الجفاف، والوباء، وأزمة الطاقة، .. إلى خوض غمار هذه المغامرة مهما كانت العواقب. وقد تستعين بالقوة لنشر الضبط والربط (إعادة التربية) في الأوساط مما قد يؤدي إلى السقوط في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد يدخل المغرب – لا قدر الله – في ردة حقوقية لا أحد يريدها، ولا أحد يرضاها لبلاده، خصوصا وأن حساد المغرب كثر، والمتربصين به، وبسمعته، وفرادة وحدة شعبه، ينتظرون، على أحر من الجمر، سقوطا يذهب باستثنائه، ويجول ساحه إلى فوضى.

فهل سيتدخل العقلاء من الأحزاب والحكومة وممثلي الشعب، لتجنيب المغرب، لا قدر الله، فوضى وسخطا شعبيا قد يعصف بكل الرصيد الأمني والحقوقي والسياسي الذي راكمه منذ قطيعته مع سنوات الجمر والرصاص؟. ام ستستمر الحكومة الحالية في ركوب الرأس، والتنفس من العين، وصم الآذان عن صوت الشارع فيقع المحظور؟ !!

املنا كما هو أمل كل العقلاء أن يتدارك هذا السخط، ويضع الجميع عقولهم في رؤوسهم، ويجنبوا البلاد ما هي في غنى عنه.. !
دمتم على وطن.. !!


آخر المستجدات
تعليقات

التعليقات مغلقة.